📘 إدماج التكنولوجيا في التعليم المغربي بين الرؤية الطموحة والواقع المتعثر
في زمنٍ باتت فيه التكنولوجيا تتحكم في أدق تفاصيل الحياة اليومية، أصبح من الضروري أن تواكب الأنظمة التربوية هذا التحول العميق، خصوصاً في البلدان الساعية إلى تحقيق تنمية شاملة ومستدامة. والمغرب، بدوره، انخرط منذ سنوات في مشاريع لإدماج التكنولوجيا في العملية التعليمية، في إطار رؤية استراتيجية طموحة تهدف إلى تحديث المدرسة المغربية وجعلها أكثر انفتاحاً وفعالية. غير أن واقع الحال يكشف عن فجوةٍ بين التوجهات الرسمية والتطبيق العملي، ما يطرح أسئلة جوهرية حول فعالية هذا الإدماج وجدواه.
منذ إطلاق الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030، أعلنت وزارة التربية الوطنية عن نيتها إدماج الوسائل الرقمية في المناهج الدراسية وتعميم التعلم عن بعد، خاصة بعد جائحة كورونا التي أكدت أهمية الرقمنة في ضمان استمرارية التعلم. وقد تجسد هذا التوجه في عدة مبادرات، من بينها منصة "TelmidTICE"، وتعزيز استعمال "Teams" و"مسار"، وتوفير أقسام افتراضية وتكوينات رقمية للأساتذة.
لكن عند الانتقال من التخطيط إلى التطبيق، تظهر العديد من الإكراهات البنيوية والواقعية التي تحد من نجاح هذا المشروع. فالبنية التحتية الرقمية في العديد من المؤسسات التعليمية، خصوصاً في المجال القروي وشبه الحضري، تعاني من ضعف في الربط بالأنترنت، وغياب الوسائل التكنولوجية كالحواسيب والألواح الرقمية. كما أن نسبة كبيرة من الأساتذة لم يتلقوا تكوينات معمقة في مجال التعليم الرقمي، مما يخلق تفاوتاً كبيراً في القدرة على توظيف التكنولوجيا بفعالية داخل الفصول الدراسية.
ولا تقف التحديات عند حدود البنية والتكوين، بل تمتد إلى التلاميذ أنفسهم، إذ أن الفوارق الاجتماعية والاقتصادية تجعل العديد من الأسر عاجزة عن توفير أجهزة إلكترونية لأبنائها أو الربط الدائم بالأنترنت، مما يكرّس مظهراً جديداً من مظاهر الهدر المدرسي الرقمي، حيث يصبح التعلم عن بعد حكراً على فئة معينة من المتعلمين.
ورغم هذه الصعوبات، فإن آفاق إدماج التكنولوجيا في التعليم تبقى واعدة، شريطة تبني مقاربة شمولية وتشاركية تأخذ بعين الاعتبار الواقع الميداني وتضع المتعلم في قلب الإصلاح. ومن أبرز الإجراءات التي يمكن اعتمادها:
دعم المؤسسات التعليمية بالمعدات والربط القوي بالأنترنت.
تخصيص ميزانية لتكوين مستمر وفعال للأساتذة في مجال التعليم الرقمي.
إنتاج محتويات تربوية رقمية محلية، تراعي الخصوصية الثقافية واللغوية للمغرب.
إحداث شراكات مع الفاعلين الاقتصاديين لتوفير الأجهزة للتلاميذ المعوزين.
في الختام، إن الرقمنة ليست فقط وسيلة تكنولوجية، بل هي رافعة لتحسين جودة التعليم وتقليص الفوارق، إذا ما تم توظيفها بشكل عادل وذكي. إن نجاح المدرسة المغربية في رهان التكنولوجيا سيعني بالضرورة بناء جيل قادر على التفاعل مع العصر وتحدياته، لا مجرد مستهلك سلبي للوسائط.