مع حلول اليوم العالمي للمدرس، الموافق للخامس من أكتوبر، تعود إلى الواجهة في المغرب نقاشات حيوية حول مكانة الأطر التربوية، خاصة في ظل التحديات التي فرضها النظام الأساسي الجديد وما رافقه من احتجاجات. هذه المناسبة لم تعد مجرد يوم للاحتفاء، بل أصبحت فرصة لتقييم السياسات العمومية ومدى نجاحها في توفير البيئة المناسبة لمن يوكل إليهم المجتمع مهمة بناء أجيال المستقبل.
ويجمع الخبراء على أن أي إصلاح حقيقي يبقى رهينا بالاستثمار الفعلي في المدرس، عبر تحسين ظروفه المادية وتوفير تكوين أساسي يواكب متطلبات القرن الحادي والعشرين.
المدرس ركيزة أساسية في المجتمع
في هذا السياق، أكد جمال شفيق، خبير تربوي، أن “المدرس هو الذي يوجد في المدرسة، وهو الذي يشرف على التنشئة الاجتماعية والتربية للأجيال في جميع المستويات: المعلم في التعليم الأولي، في التعليم الابتدائي، في التعليم الإعدادي، التأهيلي، وفي الجامعة”.
وأضاف شفيق، ضمن تصريح لهسبريس، أن المدرس “هو الذي يقوم بتصريف السياسة التعليمية في إرساء مجموع المعارف والمفاهيم والقيم الاجتماعية التي يشرحها المنهج الدراسي في المؤسسات العمومية، سواء الابتدائي أو الجامعي، هو الذي يعطينا ذلك التكوين وتلك الشخصية بمواصفات المواطن الذي هو مشروع الدولة لبناء موارد بشرية”.
وأكد الخبير التربوي أن “موقع المعلم موقع استراتيجي، لأن إصلاح أي سياسة أو تنمية البلاد يعني وجود موارد بشرية قوية. وبالتالي، فالموارد البشرية القوية تعني تكوينا جيدا، وثقافة جيدة، وقيم المواطنة والقيم الإسلامية مثل الغيرة على البلاد، وثقافة علمية ولغات وثقافة رقمية، إلى آخره. هذا المعلم في هذه المحطات هو الذي يوجد يوميا مع المتعلم، يعيش معه وله دور كبير في الإشراف على التعلم منذ التعليم الأولي حتى الجامعي”.
أوضاع مادية هشة
أوضح شفيق أن “قيمة المعلم قيمة كبيرة، فهو مهندس تربوي ذو قيمة معنوية واجتماعية، يحتاج إلى ظروف عمل مناسبة ومحفزات تجعله مرتاحا لأنه يضحي بحياته ووقته ومصيره، ويهب وقته بشكل استراتيجي من أجل التربية”.
وزاد منتقدا: “مع الأسف، المشكل في التعليم، ليس في المغرب فقط بل في العالم، هو أن قيمة المعلم المعنوية كبيرة جدا بينما قيمته المادية ضعيفة. فهو يعيش أوضاعا متواضعة، وله راتب محدود وظروف عمل ناقصة. هناك مجهودات نعم، لكن ينبغي مزيد من العناية بالمعلم، لأنه إنسان يضحي من أجل تكوين الموارد البشرية”.
وختم شفيق تصريحه بالتأكيد على أن “المسؤولين في السياسات العمومية يجب أن يوفروا للمدرس الاستقرار اللازم ليقوم بدوره في التربية داخل المدرسة وفي القسم، حتى لا يضطر إلى البحث عن ساعات إضافية أو أعمال أخرى ترهقه وتجعله يعيش تناقضات وصراعات. العناية بالمعلم أمر ضروري، لأنه كما نقول هو حجر الزاوية وأساس أي إصلاح تعليمي أو تنموي أو سياسي. هذا اليوم العالمي مهم جدا وفرصة لتذكير الحكومات والمسؤولين بضرورة الاهتمام بالمعلم، سواء نحن كرجال تعليم أو بصفة عامة، كما يجب أن يكون هناك اجتهاد في هذا المجال”.
التكوين أساس الجودة التعليمية
من جانبه، قال الحسين زاهدي، خبير في السياسات التربوية، إن “المدرس يظل هو المحور الأساسي للمدرسة العمومية.
فكل القضايا الجوهرية التي أكدت عليها الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار 51.17 ترتكز على تمكينه من تكوين وإعداد جيدين في مهن التربية والتكوين بما يسمح له بالاستجابة لمتطلبات المدرسة المغربية الجديدة وتلاميذ القرن الحالي. وإذا كان التكوين جيدا وأساسيّا، فإنه يستلزم رؤية واضحة في هذا المجال”.
وتابع زاهدي ضمن تصريح لهسبريس: “في هذا السياق، أعيد إثارة الانتباه إلى نقطة تتعلق بتفعيل مقتضيات القانون الإطار 51.17، وبالخصوص ما يرتبط بما يسمى ‘دلائل الوظائف والكفايات’. فقد نص القانون الإطار على ضرورة إعداد هذه الدلائل لتحديد الكفايات المطلوبة في كل وظيفة من وظائف مهن التربية، علما أن هذه المهن متعددة: منها ما يرتبط بالتدريس، ومنها ما يتعلق بالإدارة أو التخطيط أو التوجيه أو المراقبة والتفتيش وغيرها”.
غياب المرجعيات يعرقل الإصلاح
غير أن هذا التوجه لم يجد بعد طريقه إلى التنفيذ، إذ أشار زاهدي إلى أنه “للأسف، إلى حدود اليوم لا نتوفر على دلائل واضحة للوظائف، ولا حتى على بروفايلات دقيقة تخص المدرسين. وقد حدث تجاوز لمقتضيات القانون الإطار حين جرى إصدار النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية على إثر احتجاجات الأساتذة قبل نحو سنتين؛ إذ جرى تحديد المهام بشكل خارج عن القانون، وهو ما نبهنا إليه واعتبرناه غير منسجم مع المنهجية والمقتضيات القانونية، كما أشار إليه حتى المجلس الأعلى”.
وشدد قائلا: “هذا التحديد للاختصاصات، الذي أتى تحت ضغط الاحتجاجات، لم يحترم القانون الإطار، ولهذا بات من الضروري أن نعود لتحديد الكفايات المرجعية لكل وظيفة، لأن على ضوئها يتم إعداد برامج التكوين. أما البرامج الموجودة حاليا فهي تسير بشكل ارتجالي، في حين كان ينبغي أن تبنى على أساس هذه المرجعية”.
دعوة إلى الاستثمار في المدرس
وخلص زاهدي إلى أن “منح الأساتذة تكوينا يؤهلهم لممارسة مهامهم بفعالية، ويجعلهم قادرين على مواجهة التحديات التي تعيشها المدرسة المغربية، والاستجابة لمتطلبات الأجيال الصاعدة وحاجات المغرب في هذه المرحلة، يظل ضرورة ملحة كما أكدت عليه الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار”.