مقدمة
شهد المنهاج التربوي المغربي تحولًا جذريًا في فلسفته ومقاربته منذ بداية الألفية الثالثة، حيث انتقل من التعليم القائم على المحتوى والمعارف إلى التعليم القائم على الكفايات.
هذا التحول لم يكن شكليًا، بل هو نقلة نوعية تهدف إلى جعل المتعلم قادرًا على توظيف ما يتعلمه في مواقف جديدة، أي الانتقال من تعلم “المعرفة” إلى تعلم “الفعل”.
مفهوم الكفاية في السياق التربوي
الكفاية هي قدرة المتعلم على تعبئة مجموعة من الموارد (معارف، مهارات، مواقف) بشكل مندمج لحل وضعية – مشكلة أو القيام بمهمة محددة بنجاح.
بعبارة أخرى، الكفاية ليست معرفةً نظرية فقط، بل هي تطبيق عملي لما تم تعلمه في وضعيات حقيقية.
على سبيل المثال، لا يكتفي المتعلم بمعرفة قواعد اللغة العربية، بل يوظفها في كتابة نص سليم ومفهوم.
مكونات الكفاية
لكي تتحقق الكفاية، يجب أن تتكامل ثلاثة مكونات رئيسية:
-
المعارف: وهي المعلومات والمفاهيم التي يمتلكها المتعلم.
-
المهارات: وتشمل القدرة على التطبيق والتحليل والإنجاز العملي.
-
المواقف: وهي الاتجاهات والقيم التي توجه سلوك المتعلم أثناء التعلم والعمل.
هذا التكامل يجعل من الكفاية إطارًا شاملاً للتعلم يدمج بين الجانب العقلي، الوجداني، والعملي.
أنواع الكفايات في المنهاج المغربي
ينص المنهاج المغربي على ثلاث مستويات من الكفايات:
-
الكفايات النوعية: تخص مادة دراسية محددة (كالكتابة في اللغة، أو التجربة في العلوم).
-
الكفايات العرضانية: مشتركة بين المواد (مثل التواصل، التحليل، وحل المشكلات).
-
الكفايات الحياتية: تتعلق بقدرة المتعلم على الاندماج في الحياة اليومية والمجتمع (كالعمل الجماعي، والمسؤولية، واحترام القواعد).
هذه المستويات تُمكّن المتعلم من التدرّج نحو استقلالية فكرية وسلوكية متكاملة.
دور الأستاذ في تنمية الكفايات
يتحول دور الأستاذ في المقاربة بالكفايات من “ملقن” إلى مدرب وموجه.
فهو يضع المتعلمين أمام وضعيات حقيقية تتطلب منهم التفكير، التخطيط، والإنجاز الجماعي.
كما يعتمد على بيداغوجيا الوضعية – المشكلة، حيث يُحفَّز المتعلم على البحث عن الحلول بدل تلقيها جاهزة.
الأستاذ هنا لا يقدم الجواب، بل يساعد المتعلم على بنائه بنفسه.
أهمية المقاربة بالكفايات
-
تجعل التعلم ذا معنى مرتبطًا بالحياة الواقعية.
-
تنمي مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات.
-
تعزز التعلم الذاتي والمستمر.
-
تُعد المتعلمين للمستقبل، لا للماضي.
-
تجعل المدرسة فضاء لتكوين الإنسان المتكامل لا فقط الناجح في الامتحان.
خاتمة
إن المقاربة بالكفايات ليست مجرد إصلاح بيداغوجي، بل هي رؤية شاملة للتربية تجعل المتعلم فاعلًا في تعلمه ومسؤولًا عن نجاحه.
فحين يصبح المتعلم قادرًا على تعبئة معارفه في المواقف الجديدة، نكون قد انتقلنا فعلًا من تعليم “المعلومات” إلى تعليم “الإنسان”.
وهذا هو جوهر المدرسة المغربية الجديدة المنشودة.