🔹 مقدمة
عرف النظام التربوي المغربي، منذ بداية الألفية الثالثة، تحوّلًا جوهريًا في فلسفة التعليم، تمثل في الانتقال من منطق الأهداف إلى منطق الكفايات.
لم يعد الهدف هو نقل المعارف وحفظها، بل أصبح الغرض هو تمكين المتعلم من تعبئة مكتسباته لحل مشكلات حقيقية في حياته الدراسية واليومية.
هذه المقاربة الحديثة، المعروفة بـ بيداغوجيا الكفايات، تُعدّ اليوم العمود الفقري للإصلاح التربوي المغربي.
🔹 مفهوم الكفاية
الكفاية هي قدرة شاملة على تعبئة مجموعة من الموارد المعرفية والمهارية والقيمية، من أجل مواجهة وضعية جديدة أو معقدة بنجاح.
بعبارة أبسط، لا يكفي أن يعرف المتعلم شيئًا، بل يجب أن يكون قادرًا على توظيف ما يعرفه في الممارسة.
مثال:
التلميذ الذي يتعلم قواعد اللغة العربية لا يكتفي بفهمها، بل يُظهر كفايته عندما يوظفها في كتابة نص سليم ومعبر.
🔹 الفرق بين الهدف والكفاية
البند | بيداغوجيا الأهداف | بيداغوجيا الكفايات |
---|---|---|
التركيز | على المعارف الجزئية | على دمج المعارف والمهارات |
الغاية | النجاح في الامتحان | النجاح في الحياة |
دور المتعلم | متلقٍّ سلبي | فاعل ومبادر |
دور الأستاذ | ملقِّن | ميسّر وموجه |
التقويم | يقيس المعرفة | يقيس القدرة على التوظيف |
🔹 مكونات الكفاية
لكل كفاية ثلاثة مكونات أساسية:
-
المعارف (Savoirs): المعلومات والمفاهيم النظرية.
-
المهارات (Savoir-faire): الإجراءات والقدرات التطبيقية.
-
القيم والاتجاهات (Savoir-être): المواقف والسلوكيات التي توجه الفعل.
🔹 أنواع الكفايات
-
الكفايات النوعية (Spécifiques): مرتبطة بمادة معينة، مثل الكفاية اللغوية أو الرياضية.
-
الكفايات العرضانية (Transversales): مشتركة بين المواد، مثل حل المشكلات أو التواصل.
-
الكفايات الحياتية: تُستخدم في الحياة اليومية (التنظيم الذاتي، العمل الجماعي، اتخاذ القرار...).
🔹 المبادئ الأساسية لبيداغوجيا الكفايات
-
التعلم يتم عبر الوضعيات المشكلة، لا عبر الحفظ المباشر.
-
المعارف تُكتسب في سياق ذي معنى مرتبط بحياة المتعلم.
-
الخطأ يُعتبر فرصة للتعلم وليس فشلاً.
-
التعلم قائم على التدرج والتقويم المستمر.
-
المدرس موجّه ومرافق، لا مصدرًا وحيدًا للمعرفة.
🔹 الوضعية المشكلة
هي نواة بيداغوجيا الكفايات، وتتمثل في وضع المتعلم أمام مهمة أو تحدٍّ يتطلب منه تعبئة معارفه السابقة لحله.
مثلاً:
في مادة اللغة العربية، بدل أن يُطلب من المتعلم تعريف الفعل اللازم، يُقدَّم له نص به أفعال مختلفة، ويُطلب منه تصنيفها وشرح سبب تصنيفه.
بهذه الطريقة، يتعلم بالممارسة والاكتشاف.
🔹 دور الأستاذ في بيداغوجيا الكفايات
-
يخلق مواقف تعليمية محفزة.
-
يوجّه التفكير دون أن يقدّم الحلول الجاهزة.
-
يشجع التعلم الذاتي والعمل الجماعي.
-
يُقوّم الكفايات بطريقة إدماجية.
-
يبني علاقات تواصلية إيجابية داخل القسم.
🔹 التقويم في بيداغوجيا الكفايات
يُركز التقويم على القدرة على الفعل لا على الحفظ.
ويُستخدم ما يسمى بـ الوضعيات الإدماجية لقياس مدى توظيف المتعلم لمكتسباته في مواقف جديدة.
مثلاً: كتابة فقرة تعبيرية أو إنجاز مشروع أو حل مشكلة واقعية.
🔹 أهمية بيداغوجيا الكفايات في المدرسة المغربية
-
تجعل التعلم ذا معنى وقابلًا للتطبيق.
-
تنمي روح المبادرة والمسؤولية لدى المتعلم.
-
تعزز التعلم الذاتي والمستمر.
-
تهيئ المتعلمين لمواجهة التحديات المستقبلية.
-
تساهم في تحسين جودة التعلمات داخل المدرسة المغربية.
🔹 خاتمة
بيداغوجيا الكفايات ليست مجرد طريقة جديدة للتدريس، بل هي رؤية فلسفية شاملة للتربية.
إنها تؤمن بأن كل متعلم قادر على النجاح، إذا أُتيح له أن يشارك، ويكتشف، ويبدع، ويُعبّر عن ذاته.
حين ننتقل من “ماذا سنعلّم؟” إلى “كيف سيتعلم المتعلم؟”، نكون قد خطونا أول خطوة نحو مدرسة مغربية حديثة، ناجعة، وإنسانية.