حذرت النقابات والهيئات السياسية من خطورة استمرار الحكومة في تبني سياسات اقتصادية واجتماعية تستجيب، بشكل أعمى، لتوصيات المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، دون مراعاة خصوصيات الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب، وما يترتب عن ذلك من تداعيات مباشرة على الطبقة العاملة والفئات الهشة.
فقد أفادت نقابة الاتحاد المغربي للشغل أن الاجتماع الذي عقده أمينها العام، الميلودي موخاريق، مع وفد ممثل لصندوق النقد الدولي، أمس الثلاثاء، كان مناسبة لتوجيه رسائل قوية إلى المؤسسة المالية الدولية، محذراً من أن توصياتها، التي غالباً ما تدعو إلى تجميد الأجور وتقليص النفقات العمومية في قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة، لا تأخذ بعين الاعتبار الواقع الاجتماعي للمغرب، وتشكل تهديداً مباشراً لمكتسبات الأجراء وحقوقهم الاجتماعية.
وأورد بلاغ صادر عن الاتحاد أن موخاريق انتقد بشدة الدعوات إلى تفكيك التشريعات الاجتماعية وضرب الحق في العمل اللائق وفي التقاعد، مؤكداً أن هذه السياسات قد تخلق مزيداً من الهشاشة في سوق الشغل، وتعمق الفوارق الاجتماعية، وتضرب السلم الاجتماعي في الصميم. وشدد على أن المطلوب هو عقلنة وتطويع توصيات صندوق النقد الدولي، وجعلها متلائمة مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي للمغرب، بحيث تخدم التنمية المستدامة وتضمن الحقوق الأساسية للعمال والموظفين.
ولم يفوت الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل فرصة اللقاء للتعبير عن رفض النقابة القاطع لنهج الحكومة فيما يخص إصلاح أنظمة التقاعد ، الذي قال إنه يبنى على مقاربة محاسباتية صرفة تستهدف جيوب الأجراء وتنتقص من مكتسباتهم. كما أعلن عن معارضة أي محاولة لإعادة النظر في مدونة الشغل بطريقة تؤدي إلى فرض مزيد من المرونة والهشاشة على عالم الشغل، معتبراً أن هذا التوجه يشكل خطراً على الاستقرار الاجتماعي وعلى مستقبل الأجيال القادمة من العمال.
من جهتهم، وعد ممثلو صندوق النقد الدولي، حسب البلاغ ذاته، برفع هذه الملاحظات إلى إدارة الصندوق بواشنطن، وتضمينها في التقرير السنوي الذي يصدر بشأن المغرب، في خطوة اعتبرتها النقابة إشارة إيجابية ينبغي أن تترجم إلى سياسات عملية تراعي مصالح الفئات الشعبية.
في السياق نفسه، دخل حزب التقدم والاشتراكية على خط النقاش، موجهاً بدوره انتقادات لاذعة للحكومة، وداعياً إياها إلى تبني نهج جديد قوامه الإنصات والحوار مع مختلف التعبيرات الاحتجاجية والاجتماعية. وجاء في بلاغ أصدره الحزب عقب اجتماع مكتبه السياسي أن الأسلوب الذي تنهجه الحكومة، والمبني على خطاب التعالي وإنكار الواقع الصعب والإفراط في الرضا عن الذات، لا يؤدي إلا إلى مزيد من القلق والإحباط والغضب، ويعمق أزمة الثقة بين الدولة والمجتمع .
وشدد الحزب على أن الحكومة مطالبة بإبداع حلول عملية وواقعية، وتجاوز ما وصفه بـ الإخفاقات الفظيعة على مستوى معظم واجهات العمل الحكومي، خصوصاً في القطاعات الاجتماعية الكبرى كالتعليم والصحة والشغل، حيث تتفاقم الأزمات وتتصاعد الاحتجاجات.
أما بخصوص الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، فقد دعا حزب التقدم والاشتراكية إلى توفير الأجواء المناسبة لضمان انتخابات نزيهة وشفافة، تكون فعلاً لبنة جديدة في مسار البناء الديمقراطي والمؤسساتي. وأكد الحزب أن استعادة الثقة وتحقيق نسبة مشاركة قوية يمران عبر تخليق العملية الانتخابية وتحصينها ضد المال الفاسد، وضد استغلال البرامج العمومية والأعمال الخيرية لأغراض انتخابية، مع ضرورة أن تتحمل جميع الأطراف المعنية من إدارة وسلطات وأحزاب وإعلام ومجتمع مدني مسؤولياتها لضمان نزاهة العملية الانتخابية.
ويبدو أن تعدد الأصوات النقابية والسياسية المنتقدة لنهج الحكومة يكشف عن تنامي شعور عام بضرورة تصحيح المسار قبل فوات الأوان، خاصة في ظل الظروف الاجتماعية الصعبة التي تمر منها فئات واسعة من المغاربة. كما أن استمرار تجاهل الحكومة لهذه الرسائل قد يفاقم حالة الاحتقان الاجتماعي ويدفع إلى مزيد من التصعيد في الشارع، الأمر الذي قد يؤثر على الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلاد.
ويرى مراقبون أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد مدى قدرة الحكومة على إعادة بناء جسور الثقة مع الفاعلين الاجتماعيين والسياسيين، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، التي ينتظر منها المواطنون أن تكون محطة لمحاسبة الأداء الحكومي، وتجديد النخب السياسية، وإفراز برلمان وحكومة تتوفر فيهما عناصر الكفاءة والنزاهة والاستقامة.