مقدمة
في كل قسم دراسي تقريبًا، يوجد تلميذ يُوصَف بـ«المشاغب»: كثير الحركة، كثير الكلام، يقطع الشرح، ويستفز أحيانًا زملاءه وأستاذه. هذا التلميذ يُنظر إليه غالبًا كمشكلة يجب إسكاتها أو إقصاؤها، بينما تُظهر التجربة التربوية أن السلوك المشاغب غالبًا ما يُخفي طاقة غير مستثمرة.
هذا المقال يقدّم مقاربة تربوية عملية تساعد الأستاذ على فهم السلوك المشاغب، وتحويله من عبء إلى مورد، دون صراخ أو عقاب متكرر.
أولًا: من هو التلميذ المشاغب حقًا؟
التلميذ المشاغب ليس نمطًا واحدًا، بل قد يكون:
سريع الملل وذو طاقة عالية
باحثًا عن الانتباه
يعاني صعوبات تعلم غير مشخصة
متأثرًا بمشاكل أسرية أو نفسية
توحيد الوصف يُضلّل الحل. الفهم الدقيق شرط التدخل الناجح.
ثانيًا: لماذا يفشل العقاب مع التلميذ المشاغب؟
العقاب المتكرر قد:
يزيد العناد
يرسّخ الصورة السلبية
يدفع للتصعيد أو الانسحاب
التلميذ المشاغب يتغذّى أحيانًا على ردود الفعل القوية. كلما كان الرد انفعاليًا، طال السلوك.
ثالثًا: تشخيص السلوك قبل التدخل
قبل أي إجراء، اسأل نفسك:
متى يظهر السلوك؟
في أي مادة أو نشاط؟
مع أي زملاء؟
هذا التشخيص البسيط يوجّهك إلى حل مناسب بدل إجراءات عشوائية.
رابعًا: بناء علاقة فردية مع التلميذ
العلاقة الإيجابية هي نقطة التحول.
ممارسات فعّالة:
حديث فردي هادئ خارج القسم
إظهار الاهتمام بقدراته
تجنب إحراجه أمام زملائه
عندما يشعر التلميذ أنه مرئي ومسموع، يقلّ السلوك الاستفزازي.
خامسًا: تحويل الطاقة إلى دور إيجابي
بدل محاربة الحركة، استثمرها:
تكليفه بمهام تنظيمية
إشراكه في التوزيع أو السبورة
جعله مساعدًا في نشاط محدد
الدور الإيجابي يُشبع الحاجة للاعتبار.
سادسًا: قواعد واضحة وعواقب منطقية
الاحتواء لا يعني الفوضى.
قواعد قليلة وواضحة
عواقب معروفة مسبقًا
تطبيق ثابت دون انتقائية
العواقب المنطقية (إصلاح، تعويض) أنجح من العقاب الإقصائي.
سابعًا: التنويع البيداغوجي لتقليل الاضطراب
الملل وقود الشغب.
جرّب:
أنشطة قصيرة ومتنوعة
العمل الجماعي
التعلم بالحركة واللعب
كلما شارك التلميذ، قلّ اضطرابه.
ثامنًا: التعامل مع الاستفزاز بذكاء
عند الاستفزاز:
لا تدخل في جدال
استخدم الصمت التربوي
أعد توجيه الانتباه للنشاط
الرد الهادئ يقطع دائرة التصعيد.
تاسعًا: متى نطلب الدعم؟
عندما:
يستمر السلوك رغم المحاولات
يؤثر على سلامة الآخرين
يُشتبه في صعوبات نفسية أو تعلمية
التواصل مع الإدارة، المستشار، أو ولي الأمر يصبح ضروريًا.
عاشرًا: من «مشاغب» إلى قائد صغير
كثير من القادة كانوا «مشاغبين» في المدرسة.
عندما يجد التلميذ:
حدودًا عادلة
دورًا إيجابيًا
أستاذًا يؤمن بقدراته
يتحوّل تدريجيًا إلى عنصر فاعل داخل القسم.
خاتمة
التلميذ المشاغب ليس عدوّ العملية التعليمية، بل فرصة تربوية لاختبار ذكاء الأستاذ ومرونته. بالاحتواء، والتشخيص، والتوظيف الإيجابي للطاقة، يمكن تحويل السلوك المزعج إلى مشاركة فعالة تخدم القسم كله.
الأستاذ المحترف لا يسأل: «كيف أُسكت هذا التلميذ؟» بل: «كيف أُشركه؟»
)%20-%202025-12-28T213114.516.png)