recent
آخر المواضيع

مدارس خضراء 2025: 48 مؤسسة تُعيد تشكيل الوعي البيئي.. و64 ألف تلميذ يقودون ثورة النظافة من الفصول

 
الدار البيضاء التي أنهكتها على مدى سنوات أسئلة النظافة، وتدبير النفايات، وضغط المجال الحضري، اختارت أخيرًا أن تُعيد تعريف المعركة من جذورها، واضعة المدرسة في صلب التحوّل بدل الاكتفاء بحملات موسمية سرعان ما تتبدد في زحمة الشوارع والمناسبات. هكذا برز برنامج مدارس خضراء خلال سنة 2025، كواحد من أكثر المبادرات جرأة وملموسية في مسار ترسيخ الوعي البيئي لدى الناشئة، في مدينة تُدرك أن التغيير الحقيقي لا يبدأ من اللافتات، بل من السلوك.

تحت إشراف جماعة الدار البيضاء، وبشراكة بين شركة التنمية المحلية الدار البيضاء للبيئة والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الدار البيضاء سطات، دخل البرنامج عامه الثالث بنَفَس تصاعدي، جاعلًا من 48 مدرسة ابتدائية عمومية مجالًا لاختبار نموذج تربوي جديد، يُزاوج بين التحسيس البيداغوجي والتجهيز العملي، ويستهدف الطفل بوصفه فاعلًا مستقبليًا، لا متلقيًا عابرًا لخطاب أخلاقي.

في مارس الماضي، انطلقت النسخة الثالثة من البرنامج من مدرسة فاطمة البورقادي بمقاطعة سباتة، ثم جالت قافلته التحسيسية مختلف المقاطعات، لتبلغ المدرسة الشفشاوني بعين السبع، بحضور نائب العمدة المكلف بقطاع النظافة أحمد أفيلال، الذي تعمد أن يطلّ من فضاء المدرسة ليُذكّر أن النظافة ليست طوارئ حضرية ، بل رهان تربوي طويل المدى، في إشارة دالة إلى أن معركة المدن تُحسم في الفصول قبل الأرصفة.

لم يكن الهدف رمزيًا فحسب. فقد ثبّت البرنامج داخل المدارس 812 حاوية للفرز الثنائي، بمعدل 16 حاوية لكل مؤسسة، إلى جانب 1000 لوحة إرشادية توعوية، تُحوّل فعل الفرز من مجرّد درس إلى ممارسة يومية داخل فضاء مدرسي مؤطر، في مدينة كانت حتى وقت قريب تُصارع ثقافة الاستهلاك اللحظي، والفرجة الجماعية، التي كثيرًا ما تُغري بتعليق القانون تحت وقع الحماس، كما حدث في وقائع سابقة أثقلت فيها الفواتير الموسمية كاهل المستهلكين خلال المباريات الكبرى.

هنا بالضبط تكمن المفارقة: الركراكي يلهب المدرجات، لكن مدارس خضراء تُلهب العقول الصغيرة، فبينما تحطمت سلسلة 19 انتصارًا كرويًا أمام تعادل مالي، واصلت المدارس سلسلة انتصارات بيئية هادئة، لكنها الأعمق أثرًا، لأنها تستهدف الوعي بدل النتيجة، وتُراهن على الاستدامة بدل اللحظة.

المحتوى البيداغوجي الذي اعتمده البرنامج لم يخلُ من الذكاء التربوي. ورشات تفاعلية يقودها منشطون مؤهلون، ونموذج ثلاثي الأبعاد (3D) يُحاكي مسار النفايات من الحي إلى المطرح المراقَب، وكبسولات تعليمية تحمل اسم ساغا نصوح ، وأنشطة تُقرّب التلاميذ من مهن النظافة، قبل أن تُقلّدهم المدرسة، والمجتمع المحلي من خلفها، صفة سفراء النظافة ، في خطوة رمزية ذات أثر نفسي قوي، لأنها تُشعر الطفل أنه ليس جزءًا من المشكلة، بل قائدٌ صغيرٌ للحل.

وبلغة الأرقام، لا السرد وحده، تؤكد حصيلة ثلاث سنوات من البرنامج منذ 2022 أنه نجح في استهداف أكثر من 64 ألف تلميذ، وتغطية 128 مدرسة ابتدائية، وإدماج جمعيتين خيريتين في 2025، بما يعزز البعد التضامني للمبادرة، ويُخرج الوعي البيئي من المدرسة إلى المجتمع، في مدينة تتطلع إلى أن تجعل من حملة كازا نقية أكثر من شعار، بل عقدًا حضريًا جديدًا بين المواطن والمدينة.

الإعلام أيضًا، كما ورد في البلاغ، لم يكن مراقبًا خارجيًا، بل شريكًا في التأثير، عبر مواكبته الواسعة للبرنامج، بما يعيد التذكير أن تخليق المدن، مثل تخليق الانتخابات، أو تخليق الاستهلاك داخل المقاهي، لا ينجح دون إعلام يَصون الحق في المعلومة، ويدفع نحو المساءلة، ويُعلي من قيمة التربية على القانون بدل ثقافة التبرير الواهي.

الدار البيضاء للبيئة تُدير اليوم ملفات تتجاوز المدرسة إلى المساحات الخضراء، ومحاربة القوارض، وتدبير المطارح، والمراحيض، وركن السيارات، لكنها تُدرك أن جوهر المعركة واحد: الإنسان قبل الحاوية، والسلوك قبل البنية، والطفل قبل الراشد.

وفي زمن تتقاطع فيه الملفات الكبرى بين الأمن الإقليمي، والاعترافات السياسية، والانتخابات المقبلة في 2026، وأزمات القدرة الشرائية، تختار الدار البيضاء أن تكتب فصلًا جديدًا في هدوء الفصول، لا في صخب الشارع، فصلٌ عنوانه: من المدرسة يبدأ التغيير ومن الطفل يبدأ المستقبل.

google-playkhamsatmostaqltradent