مقدمة:
في إطار الاستعداد الجيد للاستحقاقات
التي برمجتها وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي (امتحانات ولوج المراكز
الجهوية لمهن التربية والتكوين لتأهيل أطر التدريس، وسلك تكوين أطر المختصين التربويين
والمختصين الاجتماعيين ومختصي الاقتصاد والإدارة، امتحانات الكفاءة المهنية...)، وفي
ظل حراك متجدد للنهوض بالمنظومة التربوية استجابةً لمتطلبات العصر وتحديات التنمية
المستدامة، التي تتطلب استعدادًا جيدًا ومتنوع الأبعاد، تأتي محاولتنا هذه لتساهم
في فهم أعمق للتحولات الهيكلية والفلسفية التي عرفها القطاع التربوي المغربي على
مدى العقود الأخيرة.
ولهذا،
سنحاول تقديم إطار تحليلي يساعد على استيعاب المحطات الأساس لإصلاح منظومتنا
التربوية، انطلاقًا من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مرورًا بالمخطط
الاستعجالي، والرؤية الاستراتيجية 2015-2030، ووصولًا إلى خارطة الطريق 2022-2026
وما تضمنته من مبادرات طموحة، لعل أهمها برنامج المؤسسات الرائدة. كما سنسلط الضوء
على أهم المفاهيم والمحاور المرتبطة بعلوم التربية.
1.
الميثاق الوطني للتربية والتكوين: تأسيس مرجعية جديدة للإصلاح
التربوي
يمثل الميثاق الوطني للتربية
والتكوين (1999)، حجر الزاوية في الحركة الإصلاحية التي عرفها النظام التربوي
المغربي. وقد جاء ثمرة توافق وطني واسع؛ حيث وُلد بعد نقاشات عميقة ومشاورات موسعة
شملت مختلف الفاعلين السياسيين والنقابيين والتربويين والمجتمعيين، بهدف وضع أسس
متينة لمدرسة مغربية جديدة، قادرة على مواجهة تحديات العصر وتلبية تطلعات المجتمع[1].
ويعتبر وثيقة مرجعية أساسية،
تحدد المبادئ والأهداف الكبرى للمنظومة التربوية والتكوينية، وتوجه سياساتها
وبرامجها على المدى الطويل[2]،
حيث يتمحور حول أربعة أركان أساسية هي: الجودة، والإنصاف، والارتقاء بالمردودية،
والربط بالمحيط الاقتصادي والاجتماعي. ففيما يخص الجودة، دعا إلى تحديث البرامج
والمناهج التعليمية، وتجويد التكوين الأساس والتكوين المستمر للأساتذة والأطر
الإدارية والتقنية، وتعميم استعمال تكنولوجيا المعلومات والاتصال في العملية
التعليمية التعلمية، واعتماد بيداغوجيات نشيطة تركز على المتعلم وتنمي لديه
الكفايات والمهارات الأساسية مثل التفكير النقدي وحل المشكلات. أما في مجال
الإنصاف والمساواة في الفرص، فقد أكد على ضرورة تعميم التعليم بما فيه الأولي على
جميع الأطفال (من 4 إلى 15 سنة)، والعناية بالتعليم في الوسط القروي والمناطق النائية،
ودعم الفئات ذات الاحتياجات الخاصة، ومحاربة كل أشكال التمييز داخل الفضاء
المدرسي. كما ركز على ضرورة الارتقاء بالمردودية الداخلية والخارجية للمنظومة
التربوية، عبر مكافحة الهدر المدرسي والتكرار، وتحسين نتائج المتعلمين في التقييمات
الوطنية والدولية، وضمان نجاعة النظام التربوي في تحقيق أهدافه. وأخيرًا، شدد على
أهمية الربط بين المدرسة ومحيطها السوسيو-اقتصادي،
عبر ملاءمة التكوينات لمتطلبات سوق الشغل، وتشجيع البحث العلمي والتقني، وتنمية
روح المبادرة والثقافة لدى المتعلمين. وقد جعل العقد 2000-2009 "عقدا للتربية
والتكوين".
ومن بين المبادئ الأساسية
التي أرساها أيضًا، مبدأ اللاتمركز واللاتركيز الإداري والتربوي، بهدف منح المزيد
من الصلاحيات للفاعلين المحليين (الأكاديميات والمديريات الإقليمية والمؤسسات
التعليمية) لتدبير شؤونهم التربوية والإدارية والمالية، بما يتلاءم مع خصوصياتهم
وحاجياتهم. كما
أولى أهمية كبرى للشراكة بين مختلف الفاعلين التربويين والمجتمعيين (الآباء،
الجماعات المحلية، القطاع الخاص، جمعيات المجتمع المدني) في إنجاز المشاريع
التربوية ودعم المدرسة، وشدد على ضرورة إصلاح نظام الامتحانات والمراقبة المستمرة[3].
ولكن، رغم الطموحات الكبيرة
التي حملها الميثاق، والتي شكلت إطارًا مرجعيًا هامًا، إلا أن عملية التنفيذ واجهت
العديد من الصعوبات والتحديات، مما أدى إلى تباطؤ في تحقيق بعض الأهداف المسطرة،
وهو ما دفع بالسلطات التربوية إلى التفكير في آليات جديدة لتسريع وتيرة الإصلاح.
2.
المخطط الاستعجالي (2009-2012): تسريع وتيرة الإصلاح ومواجهة
الاختلالات
بعد مرور ما يقرب من عقد من
الزمن على انطلاق تنفيذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبناءً على تشخيص أظهر
وجود بعض الاختلالات وصعوبات في تحقيق الأهداف المرجوة في الآجال المحددة، خاصة
فيما يتعلق بجودة التعليم ومحاربة الهدر الدراسي وملاءمة المخرجات لحاجيات سوق
الشغل، تم إطلاق "البرنامج الاستعجالي لدعم وتسريع وتيرة الإصلاح
التربوي" للمواسم الدراسية 2009-2012.[4]
وقد
جاء هذا المخطط، الذي حظي بدعم مالي مهم من الحكومة وشركاء التنمية (البنك الدولي)
[5]، حيث يهدف إلى إعطاء دفعة قوية لعملية الإصلاح والتركيز على
الإجراءات العملية والعاجلة لمعالجة أبرز المشاكل التي كانت تواجه المنظومة
التربوية. مركزا على أربعة محاور رئيسة:
المحور الأول: تهيئة أطفال
الوسط القروي للدخول المدرسي الناجح، عبر تعميم التعليم الأولي وتحسين ظروف
استقبالهم.
المحور الثاني: محاربة الهدر
الدراسي في مختلف الأسلاك التعليمية، خاصة في السلك الابتدائي والإعدادي، من خلال
وضع آليات للكشف المبكر عن المتعثرين دراسياً وتقديم الدعم التربوي لهم.
المحور الثالثً: الارتقاء
بالجودة الشاملة للتعليم، وذلك عبر تحديث المناهج والبرامج، وتعميم استعمال
تكنولوجيا المعلومات والاتصال، وتطوير آليات التقييم والتوجيه.
المحور الرابع: تطوير
المسارات الدراسية والتكوينية، بهدف رفع مكانتها وجعلها خيارا جذابا للمتعلمين
وملاءمتها لمتطلبات سوق الشغل.
وقد شمل المخطط أيضا إجراءات
لتدبير الموارد البشرية، حيث تم تكوين أطر تربوية وإدارية، وإعادة النظر في بعض
أنظمة التوظيف والتقويم. كما اهتم بتحسين البنية التحتية والتجهيزات المدرسية،
خاصة في العالم القروي[6].
فأظهرت بعض التقارير أن هذا المخطط ساهم في تحقيق تحسن في المؤشرات الكمية
للتعليم، مثل ارتفاع معدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي والإعدادي؛ حيث بلغت نسبة
التمدرس بالتعليم الابتدائي 99% على المستوى الوطني، مع تحسن ملحوظ في الوسط
القروي. كما تحسن مؤشر الولوج للسلك الإعدادي. إلا أن نفس التقارير تشير إلى كون
المؤشرات النوعية لم تعرف التحسن المأمول، بل ظلت تعاني من بعض أوجه القصور، خاصة
فيما يتعلق بجودة التعلمات، وضعف المردودية الداخلية، واستمرار ظاهرة الهدر في بعض
المستويات، وصعوبة الربط الفعلي بين التعليم وحاجيات الاقتصاد.
لقد ركز المخطط بشكل كبير على
الجوانب الكمية والبنية التحتية، بينما بقيت القضايا المتعلقة بالمناهج وطرق
التدريس وتكوين الأطر تتطلب معالجة أعمقن ممهد الطريق لتفكير جديد في إطار الرؤية
الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030.
3.
الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030: نحو مدرسة جديدة للإنصاف
والجودة والارتقاء
بناءً على التجارب السابقة،
وتشخيصاً مستمراً لإكراهات المنظومة التربوية المغربية، وبعد نقاشات واسعة داخل
المجلس الأعلى للتعليم والتكوين والتوجيهات الملكية السامية، تم اعتماد
"الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030" كإطار مرجعي جديد لتوجيه
السياسات التربوية على مدى خمس عشرة سنة، حيث جاءت بمقاربة شاملة ومتكاملة، تروم
تحقيق "مدرسة الإنصاف والجودة والارتقاء"[7]،
وذلك انطلاقا من الرهانات الآتية:
الرهان الأول: تحقيق الإنصاف
والتكافؤ في الفرص بين جميع المتعلمين، بغض النظر عن أصولهم الاجتماعية أو
الجغرافية أو الجنسية. ويتطلب ذلك توفير تعليم إلزامي ذي جودة للجميع، والعناية
الخاصة بالأطفال في وضعية الهشاشة، وتعميم التعليم الأولي، ومحاربة كل أشكال
التمييز واللامساواة داخل المدرسة وخارجها.
الرهان الثاني: الارتقاء
بالجودة الشاملة للتعليم، عبر تحديث المناهج والبرامج لجعلها أكثر ملاءمة لمتطلبات
العصر، واعتماد بيداغوجيات فعالة تركز على تنمية الكفايات والمهارات الأساس
كالتفكير النقدي والإبداع والتواصل وحل المشكلات. كما تشمل الجودة تحسين ظروف
التعلم والتكوين، وتوفير الموارد التعليمية الكافية، وتطوير آليات التقييم
والتقويم.
الرهان الثالث: ضمان الارتقاء
بالمدرسة المغربية وجعلها فضاء للحياة والقيم، عبر ترسيخ ثقافة المواطنة وحقوق
الإنسان، وتنمية الشخصية المتوازنة للمتعلم، وتشجيع المبادرة والإبداع.
الرهان الرابع، تأهيل الموارد
البشرية العاملة في القطاع التربوي، عبر تحسين مستوى تكوين الأساتذة والأطر
الإدارية والتقنية، وتوفير ظروف عمل ملائمة، وتحفيز الكفاءات.
هذا، وقد دعت الرؤية
الاستراتيجية إلى اعتماد حكامة تربوية جديدة، تقوم على مبدأ اللامركزية واللاتركيز
الفعلي، وتعزيز دور المؤسسة التعليمية كقلعة للتربية والتكوين. كما أكدت على أهمية
الشراكة مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والثقافيين، بهدف جعل المدرسة
منفتحة على محيطها ومستجيبة لحاجياته. كما أولت أهمية كبرى لتعميم استعمال اللغات
الأجنبية، وخاصة اللغة الإنجليزية، ودمج التكنولوجيا الرقمية في العملية التعليمية
التعلمية.
لكن رغم الطموحات الكبيرة
التي تحملها الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، والتي تهدف إلى جعل التعليم بالمغرب
عادلاً وعالي الجودة، إلا أن تحقيقها يواجه العديد من التحديات، خاصة فيما يتعلق
بتجاوز الاختلالات البنيوية، وتوفير الموارد المالية الكافية، وتغيير العقليات
والممارسات التربوية. ليبقى نجاح هذه الرؤية وغيرها رهينا بإرادة سياسية قوية،
وانخراط فعال لجميع الفاعلين التربويين والمجتمعيين.
4.
خارطة الطريق 2022-2026: تجسيد الإصلاح في الميدان وإطلاق دينامية
جديدة
في
سياق الاستمرارية والتجويد لمسار الإصلاح التربوي الذي انطلق مع الميثاق الوطني
وتطور عبر الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، أطلقت وزارة التربية الوطنية والتعليم
الأولي والرياضة "خارطة الطريق 2022-2026" للإصلاح التربوي. وهي خريطة تندرج
ضمن التوجيهات الملكية السامية الرامية إلى جعل المدرسة العمومية رافعة أساسية
للتنمية البشرية والمجتمعية، وتهدف إلى إعادة هيكلة المنظومة التربوية حول ثلاثة
أهداف استراتيجية رئيسية:
الهدف الأول: تعزيز التعلمات
الأساس وضمان اكتساب المتعلمين للكفايات والمهارات الضرورية في مختلف المواد
الدراسية، مع التركيز على اللغات والرياضيات والعلوم.
الهدف
الثاني: توسيع العرض التربوي وتنويعه، وتحسين جودة الحياة
المدرسية، عبر تطوير الأنشطة الموازية والثقافية والرياضية، وتحسين الظروف المادية
والاجتماعية للمتعلمين.
الهدف الثالث: ترسيخ قيم
المواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وفتح المدرسة على محيطها الاقتصادي
والاجتماعي والثقافي[8].
وتتمحور
الخارطة حول مبادئ الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص[9]، داعية
إلى تبني حكامة تربوية جديدة تقوم على المبادرة والمسؤولية والمحاسبة. ويعد برنامج
"المؤسسات الرائدة [10](Écoles
pionnières) أحد أبرز المشاريع التي تضمنتها[11].
كما تضمنت خارطة الطريق
إجراءات لتعميم وتطوير التعليم الأولي، خاصة في الوسط القروي، حيث تم إضافة أكثر
من 2500 قسم دراسي في المدارس الابتدائية العمومية، وبلغ عدد المستفيدين من
التعليم الأولي 985375 طفلا. كما تم وضع إطار تكويني شامل لفائدة أكثر من 22000
مرب ومربية، وتطوير نظام متكامل لتقييم الجودة. وفي مجال البنية التحتية
والتجهيزات، تم فتح 169 مؤسسة تعليمية جديدة، وبناء 2461 قسما دراسيا جديدا، و15
دارا للطالبات. كما تم تعزيز برامج الدعم الاجتماعي (منح دراسية، إطعام مدرسي، النقل،
الإيواء) لفائدة ملايين التلاميذ. ويأتي هذا في سياق مواصلة المغرب لإصلاح منظومته
التربوية لتحسين نتائج التعليم، وتوسيع العرض التربوي وضمان الإنصاف وتكافؤ الفرص. وتمثل خارطة الطريق 2022-2026 مرحلة حاسمة
في تجسيد الإصلاحات على أرض الواقع، واختبارا لقدرة المنظومة التربوية على التكيف
مع المتغيرات الجديدة وتحقيق الأهداف المنشودة.
5.
علوم التربية: ركيزة أساسية في فهم الإصلاح وتجويد الممارسة
تعتبر علوم التربية (Sciences de l'éducation) مجالاً
معرفياً وتخصصاً أكاديمياً بالغ الأهمية، يهتم بدراسة الظواهر والعمليات التربوية
والتعليمية في شموليتها، مستعينةً بمناهج وأدوات متنوعة مستمدة من حقول معرفية
مختلفة مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة، والتاريخ، والأنثروبولوجيا... وغيرها.
ويهدف هذا المجال إلى فهم وتحسين الممارسات التربوية في مختلف سياقاتها (الأسرة،
المدرسة، التكوين المستمر، الخ).
ويعد إلمام المترشح لامتحان الكفاءة
المهنية بأهم مفاهيم ونظريات وتطبيقات علوم التربية ضرورة حتمية، ليس فقط للنجاح فيه،
بل أيضاً لبناء كفاية مهنية قادرة على مواجهة تحديات العمل التربوي في المستقبل.
فمن خلال هذه العلوم، يمكن للمعني أن يفهم عمق الطبيعة الإنسانية للمتعلم، وخصائصه
النمائية (الجسمية، العقلية، الانفعالية، الاجتماعية) في مختلف مراحل عمره،
انطلاقاً من نظريات النمو المعرفي (نظرية بياجيه) أو النمو الاجتماعي (نظرية
فيغوتسكي). كما تمكنه من استيعاب مختلف نظريات التعلم والتعليم (السلوكية،
والمعرفية، والبنائية، والاجتماعية)، وفهم كيفية تطبيقها في تصميم وتنفيذ
استراتيجيات تدريس فعالة ومتنوعة (التعلم المبرمج، والتعلم بالاكتشاف، والتعلم
التعاوني، وحل المشكلات، والتعلم بالمشاريع). وتوفر له أيضاً المعارف والمهارات
اللازمة لتصميم المناهج التعليمية وتطويرها وتقويمها، بما يضمن ملاءمتها لحاجيات
المتعلمين ومتطلبات المجتمع. كما تهتم بمجال الإدارة والتدبير التربوي، وتقديم
نماذج ومقاربات لتنظيم العمل المؤسسي وتحسين أدائه. ولا يقتصر دور علوم التربية
على الجانب النظري فقط، بل يمتد ليشمل البحث التربوي، الذي يهدف إلى توليد المعرفة
العلمية حول الظواهر التربوية، وتقديم حلول للمشكلات العملية.
وفي سياق الإصلاحات التربوية
المغربية، يكتسي استحضار علوم التربية أهمية خاصة. ففهم فلسفة وأهداف كل مرحلة
إصلاحية (الميثاق الوطنية للتربية والتكوين، المخطط الاستعجالي، الرؤية
الاستراتيجية، خارطة الطريق) يتطلب تحليلاً تربوياً عميقاً. فعلى سبيل المثال لا
الحصر، عند دراسة الميثاق الوطني، يمكن للمرشح أن يحلل الركائز الأربعة (الجودة،
الإنصاف، المردودية، ربط المدرسة بالمحيط) من منظور تربوي، ويسأل عن كيفية ترجمتها
إلى ممارسات صفية ومؤسسية فعالة. وعند تناول المخطط الاستعجالي، يمكنه تقييم
إجراءاته (مثل محاربة الهدر، تعميم التعليم الأولي) في ضوء نظريات التعلم، وإدارة
الفروق الفردية. أما الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، فتفتح الباب أمام استحضار
مفاهيم الجودة الشاملة، والكفايات، والمواطنة، والشراكة، وتحليل كيفية تجسيدها في
المناهج والبرامج والحياة المدرسية. وفيما يتعلق بخارطة الطريق 2022-2026، وبرنامج
المؤسسات الرائدة، يمكن للمرشح أن يستحضر مقاربات الريادة، والتميز، والإبداع،
ونماذج الحكامة الرشيدة، وأساليب التقويم الفعال...
وبالتالي، فإن الإعداد الجيد
لامتحان الكفاءة المهنية يتطلب من المرشح أن يبني علاقة جدلية بين المعارف النظرية
لعلوم التربية، وتطبيقاتها العملية في سياق الإصلاحات التربوية المغربية، مما
يمنحه رؤية نقدية وبناءة، وقدرة على المساهمة الفاعلة في تطوير المنظومة ككل.
6.
التحديات والآفاق المستقبلية للمنظومة التربوية المغربية
لقد قطع المغرب أشواطاً مهمة
في مسار إصلاح منظومته التربوية، انطلاقاً من الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة
1999، مروراً بالمخطط الاستعجالي (2009-2012)، ثم الرؤية الاستراتيجية 2015-2030،
ووصولاً إلى خارطة الطريق 2022-2026. وقد تميزت كل مرحلة بخصوصياتها وأولوياتها،
لكنها كانت جميعها تسعى إلى هدف واحد هو الارتقاء بالمدرسة المغربية وجعلها قادرة
على القيام بأدوارها التربوية والتنموية على أكمل وجه.
ورغم التقدم المحرز على مستوى تعميم التعليم
وتحسين البنية التحتية في العديد من المناطق، إلا أن التحديات لا تزال قائمة
ومتعددة الأبعاد. فمشكل الجودة لا يزال يشكل هاجساً رئيساً، حيث تؤكد العديد من
التقارير الدولية (مثل TIMSS وPIRLS)
على مستوى متدن للمكتسبات الأساس للتلاميذ المغاربة مقارنة بالدول الأخرى. كما أن
ظاهرة الهدر الدراسي وضعف المردودية الداخلية لا تزالان تستنزفان موارد المنظومة.
ويبقى ربط المخرجات التعليمية بحاجيات سوق الشغل وتحديات التنمية الاقتصادية
تحدياً كبيراً، يتطلب مزيداً من المرونة والتجديد في المناهج والتكوينات. إضافة
إلى ذلك، فإن تغيير العقليات والممارسات التربوية نحو اعتماد بيداغوجيات نشيطة
تركز على المتعلم وتنمية كفاياته العليا يتطلب جهوداً مكثفة في مجال تكوين وتأطير الأطر
المستمرين. ولا يمكن إغفال التحديات المرتبطة بالحكامة التربوية، وتدبير الموارد
البشرية والمادية، والتعامل مع الفوارق الاجتماعية والجهوية.
ورغم هذه التحديات، تظل
الآفاق المستقبلية للمنظومة التربوية المغربية مشروطة بمدى نجاحها في تجاوز هذه
الإكراهات وتحقيق الأهداف الطموحة المسطرة في الرؤية الاستراتيجية وخارطة الطريق.
ويبقى دور أطر هيئة التدريس محورياً في هذه الديناميكية. فهم وقود الإصلاح
الحقيقي، والعنصر الفاعل في تجسيد السياسات التربوية على أرض الواقع. لذلك، فإن
استعدادهم الجيد، ليس فقط للنجاح في الامتحان، بل أيضاً لممارسة مهامهم بكفاءة
وإخلاص.
7.
استراتيجيات التحضير الفعال لمباريات الكفاءة المهنية
إن
النجاح في المباراة، التي تشكل محطة مفصلية في مسار كل من يتطلع لترقية مهنية،
يتطلب تحضيراً مسبقاً ومنهجياً وواعياً. فالامتحان لا يقيس فقط مدى حفظ المعلومات،
بل يهدف أيضاً إلى تقييم القدرة على التحليل، والتركيب، والنقد، والتواصل،
والانفتاح على قضايا العصر. ولتحسين فرص النجاح، يجب على المترشح(ة):
1.
الحرص
على فهم دقيق ومعمق للأطر المرجعية للإصلاح التربوي المغربي.
2.
الاطلاع
على الوثائق الرسمية لهذه الإصلاحات، وقراءة الدراسات التحليلية والتقويمية التي
أنجزت حولها، والتفكير في فلسفتها، وأهدافها، وآليات تنفيذها، وإكراهاتها.
3.
العناية
الخاصة بمجال علوم التربية، من خلال مراجعة المفاهيم الأساسية، والنظريات الرئيسية
في التعلم والتعليم والنمو، والمداخل البيداغوجية الحديثة.
4.
تطوير
القدرة على التحليل النقدي والتفكير التأملي (مناقشة المعلومات، وتقييمها، وإبداء
الرأي الشخصي المدعوم بالحجج والبراهين).
5.
تنمية
مهارة الكتابة والتعبير بلغة سليمة وواضحة ومتناسقة، مع الحرص على الدقة في
استخدام المصطلحات التربوية المغربية.
6.
البحث
عن نماذج من الامتحانات السابقة أو أسئلة تشبهها، والتمرين على الإجابة عليها في
ظروف شبيهة بالامتحان الحقيقي، بهدف إدارة الوقت بشكل فعال والتعود على صيغة
الأسئلة.
7.
تنظيم
الوقت بشكل جيد خلال فترة التحضير، ووضع خطة دراسية عملية تأخذ بعين الاعتبار
مختلف المجالات المقررة، مع تخصيص فترات للمراجعة والتلخيص.
8.
الاستعداد
الجماعي مع زملاء آخرين، حيث تساهم المناقشة وتبادل الأفكار في تثبيت المعلومات
وتوسيع المدارك.
9.
عدم إهمال
الجانب النفسي والصحي، فالحصول على قسط كافٍ من الراحة، والتغذية السليمة، وممارسة
الرياضة الخفيفة، تساهم جميعها في تحسين التركيز والقدرة على الاستيعاب والتذكر...
وأخيراً، يبقى التحلي بالثقة
بالنفس والإيجابية من العوامل الأساسية التي تساعد على تجاوز القلق وتحقيق أفضل
النتائج. وإن التحضير الجيد للمباراة هو استثمار في المستقبل المهني والشخصي، وهو
خطوة أساس نحو الانخراط في مسار نبيل يهدف إلى بناء أجيال المستقبل وخدمة هذا الوطن
الحبيب.
خلاصة:
لقد شهد النظام التعليمي
المغربي، منذ مطلع هذه الألفية، سلسلة من الإصلاحات المتعاقبة التي كانت تهدف إلى
معالجة الاختلالات الهيكلية والوظيفية، والرفع من جودة التعليم في مختلف أطواره
وتخصصاته. وجاءت هذه الإصلاحات ثمرة لنقاشات وطنية واسعة، وتشخيص دقيق للواقع الذي
كان يعيشه القطاع، والذي تميز بضعف المردودية الداخلية والخارجية، وانتشار الأمية،
وعدم ملاءمة مخرجاته لمتطلبات سوق الشغل وحاجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويمثل الميثاق الوطني للتربية والتكوين، الذي اعتمد سنة 1999، نقطة الانطلاق
الحقيقية لهذه الديناميكية الإصلاحية، حيث وضع أطرًا مفاهيمية ومنهجية لتغيير شامل
طال مختلف جوانب الحياة المدرسية والمؤسساتية. وبعد مرور عقد من الزمن على تطبيق
الميثاق، وبسبب بعض الصعوبات والتباطؤ في تحقيق الأهداف المسطرة، تم إطلاق المخطط
الاستعجالي (2009-2012) كخطة تسريعية لتنفيذ أوراش الإصلاح العاجلة. وتلاه تبني
الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030 التي حاولت تصويب المسار ووضع رهانات جديدة
للمنظومة التربوية، مع التركيز على الجودة والإنصاف والارتقاء بالمدرسة المغربية.
وفي الآونة الأخيرة، جاءت خارطة الطريق 2022-2026 لتجسد مرحلة جديدة من الإصلاح،
ترتكز على المبادرة والمسؤولية، وتدعو إلى إعادة هيكلة المدرسة العمومية حول قيم
الجودة والإنصاف وتكافؤ الفرص، مع إطلاق مشاريع رائدة كبرنامج "المؤسسات
الرائدة" الذي يهدف إلى تجسيد نماذج احتذاء في التدبير والتعلمات. وفهم هذه
المحطات الإصلاحية، بفلسفاتها وأهدافها وآلياتها وإكراهاتها، لم يعد ترفًا تربويا
وفكريًا، بل هو ضرورة حتمية لكل من يروم الانخراط الفاعل والفعال في سلك التدريس
والتكوين، كي يكون قادرًا على المساهمة الإيجابية في تجويد العملية التعليمية
التعلمية، والتفاعل الواعي مع متطلبات الواقع وتحديات المستقبل. ويتطلب هذا الفهم
استحضارًا دقيقًا لمجال علوم التربية، بمدارسه ونظرياته وتطبيقاته، للتمكن من
تحليل الواقع التربوي تحليلاً علميًا وعمليا، واقتراح الحلول المناسبة للإشكاليات
المطروحة.
إن الانخراط الواعي والمسؤول
لهؤلاء الأطر في مسار الإصلاح، وقدرتهم على التجديد والإبداع، وانفتاحهم على
المستجدات التربوية، سيمكن من تحقيق نقلة نوعية في المدرسة المغربية، وجعلها فعلاً
فضاء للتكوين والتأهيل والارتقاء، قادرة على مواكبة ركب الحضارة والمساهمة في بناء
مغرب المستقبل.
المراجع:
الوثائق
الرسمية:
-
البرنامج الاستعجالي 2009-2012
-
التقرير السنوي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، دجنبر2024
"المدرسة الجديدة: تعاقد مجتمعي من أجل التربية
والتكوين"
-
خارطة الطريق 2022-2026
-
الرؤية الاستراتيجية 2015-2030
-
الميثاق الوطني للتربية والتكوين
المواقع
الالكترونية:
-
https://opecfund.org/news/morocco-tailoring-higher-education-to-a-region-s-needs
-
https://www.eib.org/en/projects/pipelines/all/20080485
-
https://files.eric.ed.gov/fulltext/ED673895.pdf
-
https://pirls2021.org/wp-content/uploads/2022/10/Morocco.pdfMohammed
-
https://www.teacherkhedda.com/2023/01/the-national-charter-of-education-and.html
[1]https://www.researchgate.net/publication/311563028_The_Education_Reform_in_Morocco_through_the_Emergency_Plan_2009-2012_And_Its_Impact_on_Schooling. (إصلاح التعليم في المغرب
من خلال خطة الطوارئ (2009-2012) وتأثيره على التعليم / المؤلف: أنور عالمي/ تشر في يونيو 2016)
[2] https://www.teacherkhedda.com/2023/01/the-national-charter-of-education-and.html
(الميثاق الوطني للتربية
والتكوين (NCET) بقلم حسن خضاء، نشر في 06 يناير 2023)
[3]https:// pirls2016.org/wpcontent/uploads/encyclopediapirls/downloadcenter/3.٪20Country٪20Chapters/Morocco.pdf و https://pirls2021.org/wp-content/uploads/2022/10/Morocco.pdf Mohammed
ساسي رئيس المركز الوطني للتقييم والامتحانات (CNEE) وأحمد شيبي رئيس
قسم التقييم (CNEE) محمد حماني، مشرف معلم لغة أجنبية ومصمم كتب دراسية، نشر 2021)
[5] https://opecfund.org/news/morocco-tailoring-higher-education-to-a-region-s-needs (صندوق أوبك
للتنمية الدولية، فاتح أبريل 2013)
[6] https://www.eib.org/en/projects/pipelines/all/20080485 (وزارة التعليم العالي والتكوين
المهني والبحث العلمي، تاريخ الإصدار 2 يوليو 2009)
[7] https://files.eric.ed.gov/fulltext/ED673895.pdf (الوعود غير المحققة لرؤية المغرب
2015–2030: الفجوات بين السياسات والتنفيذ في إصلاح التعليم محمد ابن الصديق، نشر
في 7يوليوز2025)
[8] https://www.mapnews.ma/en/actualites/social/2022-2026-education-roadmap-suggests-practical-solutions-improve-public-schools (وكالة المغربي العربي للأنباء، 10
نونبر 2022)
[9] https://www.moroccoworldnews.com/2025/09/260022/morocco-registers-over-8-2-million-students-for-2025-2026-academic-year (بقلم أسماء داوودي، نشر في
20 شتنبر 2025)
[10] يهدف برنامج "المؤسسات الرائدة" إلى خلق نماذج
مدرسية احتذاء في التدبير والتعلمات على حد سواء، عبر توفير ظروف عمل ودراسة مثالية، وتعميم أفضل الممارسات التربوية. وقد
عرف توسعا ملحوظا، حيث بلغ عدد المدارس الابتدائية الرائدة 4626 مدرسة، تستفيد
منها ما يقرب من مليوني تلميذ (56% من مجموع تلامذة السلك الابتدائي). أما على
مستوى التعليم الإعدادي، فقد تم إحداث 786 "مدرسة للتميز"، تستفيد منها
حوالي 700000 تلميذ.
[11] أسماء داوودي (الموقع
نفسه)