recent
آخر المواضيع

إدريس الورادي يدعو لتحويل وقت الشباب خارج المدرسة لفرص للتعلم والاكتشاف

 

قال الأكاديمي المغربي ورئيس الحركة العالمية لشغل أوقات الفراغ بالعلوم والتكنولوجيا (MILSET)، إدريس الورادي، إن غرس الثقافة العلمية في عقول الشباب يعد استثمارا حقيقيا في مستقبلهم، ودعامة لنهضة العالم العربي في القرن الواحد والعشرين.

ففي حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أوضح السيد الورادي، الذي انتخب رئيسا لحركة (MILSET) خلال الملتقى العلمي العالمي ESI 2025، المنعقد مؤخرا في أبوظبي، أن تمكين الشباب الموهوبين من إطلاق مشاريع مبتكرة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفنون والرياضيات (STIAM) يمثل استثمارا حقيقيا في مستقبلهم، ودعما مهما لتكوين جيل من العلماء والمبتكرين لمواجهة تحديات الغد.

وأبرز أن الثقافة العلمية والتكنولوجية تضطلع بدور محوري للغاية في المجتمعات لأن الاطفال والشباب يقضون أكثر من 86 في المائة من وقتهم خارج المدرسة. وخلال هذا الوقت، يتشكل فضولهم العلمي، ويصقل فكرھم النقدي، وتتولد میولاتھم العلمیة.

وطبقا لهذه المعطيات، راهنت جمیع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمیة، التي ا ضحت قوى علمیة، على نشر العلوم في المدارس والمعارض والصحف ووسائل الإعلام والمھرجانات والمتاحف التفاعلیة في وقت مبكر، حيث تربط الثقافة العلمية العلم بالحياة اليومية والقيم والأخلاق والديمقراطية.

وبالنسبة للدكتور في علوم الأرض، خريج جامعة باريس ديدرو، فإن الثقافة العلمية تضطلع بدور تفاعلي مركزي في تحفيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، عبر إحداث ملايين الوظائف المرتبطة بالعلم مثل المنشطين والمدربين والمؤطرين والصحفيين العلميين ومصممي المعارض العلمیة. لذا، فإن الثقافة العلمية تعد محركا أساسيا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية.

كما أن البرامج التعليمية مثل Hands on أو La main la p te، والمختبرات المفتوحة (Fablab)، وورش العمل الرقمية والذكاء الاصطناعي، تتيح للأطفال التجريب وتطوير التفكير النقدي واتخاذ المبادرات وتصميم مشاريعهم التكنولوجية بأنفسهم، مما يعزز استقلاليتهم وقدرتهم على الابتكار.

وبدورها، يضيف السيد الورادي، تساهم مراكز الثقافة العلمية والتقنية مثل Exploratorium في الولايات المتحدة ومدينة العلوم والصناعة في فرنسا، بطريقة فعالة في إتاحة المعرفة للجميع وتحسين أنظمة التعليم.

ولهذا، أدركت جميع دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أهمية الثقافة العلمية والتكنولوجية. وتمثل هذه المبادرات التي تهدف إلى دعم الشباب في مسارهم العلمي والتكنولوجي استثمارا في المستقبل، في مجتمع المعرفة، قادر على مواجهة التحديات الكبرى للقرن الحادي والعشرين.

وبخصوص الوضع العالمي الراهن للبحث العلمي، أشار السيد الورادي إلى أنه وفقا لتقرير المؤسسة الوطنية للعلوم الأمريكية لسنة 2025، فإن اﻻﻗﺘﺼﺎدات اﻟﺜﻤﺎﻧﯿﺔ اﻷﻓﻀﻞ أداء اﺳﺘﺤﻮذت ﻋلى 82 في المائة من الإنفاق العالمي المخصص للبحث والتطوير. أما الاتحاد الأوروبي، فكان يمثل 18 في المائة من هذا الإنفاق في 2021، في حين ﺑﻠﻐﺖ ﺣﺼﺔ الولايات المتحدة الأمريكية وحدها حوالي 30 في المائة في 2022. وتستثمر هذه الدول ما بين 2 و3 في المائة من ناتجها الداخلي الخام في البحث والتطوير.

وفي العالم العربي، يضيف السيد الورادي، سجلت نسب الناتج الداخلي الخام في البحث والتطوير تقدما ملموسا لكنها لا تزال ﻣﺘﻮاﺿﻌﺔ حيث لا تتعدى 1 في المائة. وباﻟﺮﻏﻢ من ذلك، فقد ارﺗﻔﻊ اﻹﻧﺘﺎج اﻟﻌﻠﻤﻲ بنسبة 64 في المائة بين 2015 و2019، وفقا لتقرير (اليونسكو) لعام 2021. وما تظهره ھﺬه اﻟﺪﯾﻨﺎﻣﯿﺔ هو أنه ﻣﻦ اﻟﻤﻤﻜﻦ ﻋﻜﺲ الاتجاه بتحسين وضع البحث العلمي في الدول العربية.

ويرى أنه، لتحقيق الابتكارات التكنولوجية والاهداف الاقتصادية، وقبل ترسيخ هذه الابتكارات في المختبرات ومراكز البحث، ينبغي أن يكون العلم حاضرا بقوة في المجتمعات العربية، بالمدارس، ووسائل الإعلام، والمتاحف.

وأشار إلى أنه في العديد من البلدان العربیة، غالبا ما یتم تدریس العلوم بطریقة نظریة بحتة وبدون اتباع نھج تجریبي، حيث ينظر الطلاب إلى العلوم على ا نھا مجردة، بل ومملة، لأنھا منفصلة عن الحیاة الیومیة. هنا یعتمد التعلم على الحفظ بدلا من الملاحظة ا و التحلیل. ونتیجة لذلك، فإن نتائج العلوم والریاضیات التي يحصل عليها التلاميذ العرب في تقییمات PISA و TIMSS هي أقل بكثیر من المعدلات الدولیة.

وتابع أنه، بالرغم من وجود جامعات ذات مستوى عال وأحيانا مراكز بحث متطورة، إلا أن الفضاءات المفتوحة للجمهور العام قليلة جدا. فالمتاحف العلمية، والقباب الفلكية (البلانيتاريوم)، ومختبرات التصنيع (فابلاب)، والمهرجانات العلمية تكون نادرة أو متركزة في العواصم.

ومع ذلك، فالكل يعلم أن هذه الفضاءات أساسية، لأنها تثير شغف الاكتشاف والاھتمام بالمھن، وتشجع إدماج الفتيات في مجالات العلوم، وتعزز الترابط بين الثقافة والاقتصاد والابتكار وبالتالي تساهم في تحسين المنظومة التعليمية.

ومع ذلك، سجل السيد الورادي أن عدة دول عربية بدأت بالفعل تدرك الدور الاستراتيجي للثقافة العلمية والتقنية، حيث تم إحداث مراكز علمية وقباب فلكیة في كل من الإمارات العربية المتحدة، والكويت، والمملكة العربية السعودية، والأردن، والمغرب، وتونس، ومصر، مستشهدا في هذا الصدد، بالبرنامج الفضائي الإماراتي Hope Mars Mission الذي ساهم في تعميم الثقافة العلمية وإلهام آلاف الطلاب من خلال النوادي والمسابقات العلمية في مجالات العلوم والتكنولوجيا STIAM.

أما في المغرب، فقد تم إطلاق برنامج المدرسة الرائدة من طرف وزارة التربية الوطنية، ضمن خارطة الطريق 2022 2026، الهادفة إلى بناء مدرسة عمومية ذات جودة عالية. كما أن جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية والجامعة الدولية بالرباط أنشأتا منظومة متكاملة تربط بين البحث العلمي والصناعة والتكوين الأكاديمي، حيث صنفت الأولى ضمن أفضل 400 جامعة في العالم حسب تصنيف Times Higher Education، بينما صنفت الثانية ضمن 1000 أفضل جامعة في العالم، وهي نتائج إيجابية تؤكد على إمكانية إحداث تغييرات إيجابية حقيقية من خلال إصلاحات واستثمارات ذكية.

ومن أجل تطوير العلوم في الدول العربية، أكد السيد الورادي أنه ينبغي العمل على تعزيز التعليم العلمي الرسمي، وفي الوقت نفسه تطوير ونشر الثقافة العلمية في المجتمعات العربية بحيث تكون متاحة للجميع.

وأضاف أنه لتحقیق ذلك، ينبغي ا حداث نواد علمية، ووسائل إعلام لتبسيط العلوم، وشبكات إقليمية لمراكز الثقافة العلمية والتقنية. كما يتعين إدماج العلم في الثقافة الشعبية من خلال الأفلام والألعاب والمهرجانات والمسلسلات والمؤثرين والوسطاء العلمیين، الذین یشكلون حلقة الوصل بین الباحثین والمواطنین.

وتابع أنه، بتخصيص نسبة تتراوح ما بين 2 إلى 2.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام لمجال البحث والتطوير، مع مضاعفة المبادرات الموجهة لنشر الثقافة العلمية، يمكن للدول العربية خلال جيل واحد أن تنضم إلى دائرة الدول المبتكرة، أي إلى عالم يتسم بالمعرفة التقدم الحضاري والتماسك الاجتماعي.

وذك ر، في هذا الصدد، بأن الحضارة العربية الإسلامية شك لت، خلال ستة قرون مضت (من القرن السابع إلى الثالث عشر)، نموذجا عالميا في هذا المجال. ففي بغداد وقرطبة، برزت بيوت الحكمة ، ومكتبات، ومراصد علمية في طلیعة العلوم. ونتيجة لذلك، فإن أكثر من 65 في المائة من أسماء النجوم، مثل الكيمياء، الإكسير، الإنبيق، الكحول، الجبر، الخوارزمية، ذات أصل عربي. وهو دليل ساطع على القوة التعليمية والعلمية التي تميزت بها تلك الحضارة خلال فترة العصور الوسطى.

وخلص إلى أن العلم لا ينمو صدفة، بل يترعرع في المجتمعات التي تحتفي به وتغذيه. ولجني ثماره، يتعين زراعته يوميا في الثقافة المحلية ، مبرزا في هذا الإطار، أن الدول العربية تمتلك تراثا علميا عظيما وشبابا يتسم بالفضول والحماس.

وأشار إلى أن تحويل نسبة 86 في المائة من الوقت الذي يقضيه الشباب خارج المدرسة إلى فرص للتعلم والاكتشاف، سي مك ن من إرساء أنظمة تعليمية وبحثية قوية. عندئذ، سيستعيد العالم العربي عصره الذهبي ويسترجع قوته الاقتصادية والفكرية، ويساهم بفعالية في العلم العالمي خلال القرن الحادي والعشرين.

google-playkhamsatmostaqltradent