رفعت وزارة التربية الوطنية خلال الدخول
المدرسي لهذا الموسم شعار: "من أجل مدرسة ذات جودة"، وهو شعار طموح يعكس إرادة
جماعية في جعل المؤسسات التعليمية فضاءً منصفًا يضمن حق كل متعلم في التعلم داخل
بيئة آمنة ومحفزة. لكن بلوغ هذا الهدف يمر بالضرورة عبر تحسين المناخ المدرسي، بما
يحمله من علاقات إنسانية وممارسات يومية تؤثر بشكل مباشر في جودة التعلمات
والانخراط الجماعي.
فالمدرسة، كما عرّفها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، هي مؤسسة للتربية والتكوين، مكلّفة بإعداد
المواطن المتشبع بالقيم الوطنية والكونية، والقادر على الاندماج في الحياة
الاجتماعية والمهنية. فهي إذن ليست مجرد فضاء لتلقين المعارف فقط ، بل
مجتمعا مصغرا تتفاعل فيه الشخصيات، وتتشكل فيه القيم، وتُصقل فيه السلوكيات.
لكن الواقع اليوم يضع هذه الأدوار أمام
تحديات غير مسبوقة. فلم تعد المدرسة المغربية بمنأى عن توترات المجتمع وصراعاته،
بل أضحت مرآة تعكسها بشكل مقلق: عنف بين التلاميذ، ضعف في الانتماء، فتور في
العلاقة بين المتعلمين والاطر التربوية ، وأحيانًا انفلاتات تمس بجوهر العملية
التعليمية التعلمية. هذه المظاهر ليست مجرد حوادث معزولة، بل دلائل على خلل عميق
في المناخ المدرسي.
وقد كشف تقرير المجلس الأعلى للتربية
والتكوين لسنة 2022 عن هذه الحقيقة، مؤكّدًا أن جودة العلاقات داخل المدرسة
تحدد إلى حد بعيد مستوى النجاح الدراسي للتلاميذ، ومردودية الأطر التربوية
والإدارية، ودرجة انخراط الجميع في الحياة المدرسية.
حدود
التدخلات الحالية
الممارسة المهنية تُظهر أن التدخل في
النزاعات داخل المؤسسات التعليمية يظل محدودًا، إذ غالبًا ما يُختزل في إيفاد لجان افتحاص أو تقصّي تركز على
ضبط المخالفات وتحرير تقارير، دون أن تنجح في بناء حلول دائمة أو في ترسيخ ثقافة
الحوار. وهكذا تبقى الأزمات قائمة، بينما تغيب الوساطة كآلية وقائية وتربوية قادرة
على إعادة التوازن والثقة داخل الوسط المدرسي.
الوساطة
كمدخل للتوازن النفسي والتربوي
في هذا السياق، تبرز الوساطة المدرسية كخيار استراتيجي
لتحقيق شعارالجودة للجميع. فهي ليست مجرد وسيلة لإطفاء الخلافات بين المتعلمين
أوالاطر العاملة بالمؤسسة، بل مقاربة تربوية متكاملة تقوم على الإصغاء، الحياد،
والتيسير، وتهدف إلى إعادة بناء الثقة داخل المجتمع المدرسي.
وتتجلى أهميتها في قدرتها على:
●
تغيير
ديناميات العلاقات داخل المؤسسة، والانتقال من منطق الغلبة إلى منطق التفاهم.
●
الحد من
مظاهر العنف والتنمر والهدر المدرسي، وتحويل النزاعات إلى فرص للتعلم.
●
تعزيز
الانتماء والثقة بين جميع المكونات: تلاميذ، أطر تربوية، إدارية، وآباء.
●
تكوين
التلميذ كمواطن قادر على التفاوض والتسامح وحل الخلافات بطرق حضارية.
إن الوسيط المدرسي، بكفاياته في الإصغاء
والتحليل وتيسير الحوار، لا يُقاس نجاحه بإنهاء النزاع فقط، بل بمدى تمكنه من
إعادة فتح قنوات التواصل، ومرافقة الأطراف بعد الاتفاق، وتحفيز الرغبة في العطاء
والعمل المشترك.
خاتمة
إن الوساطة المدرسية ليست ترفًا تربويًا، بل
ضرورة لجعل المدرسة المغربية مفعمة بالحياة من خلال إعادة الاعتبار لدورها الأصيل
في بناء الإنسان المواطن. وهي أيضًا رافعة عملية لترجمة شعار الدخول المدرسي "من أجل مدرسة ذات جودة" من
مجرد عبارة طموحة إلى ممارسة يومية داخل الفضاء المدرسي، تجعل من النزاع فرصة
تربوية، ومن المدرسة مختبرًا حقيقيًا للمواطنة والسلوك المدني .