recent
آخر المواضيع

التقويم التربوي: من المراقبة إلى دعم التعلمات

educa24maroc
الصفحة الرئيسية

🔹 مقدمة

يُعد التقويم التربوي من الركائز الأساسية في العملية التعليمية التعلمية، إذ لم يعد يقتصر على مراقبة نتائج المتعلمين أو إصدار الأحكام عليهم، بل أصبح وسيلةً فعّالةً لدعم التعلمات وتطوير الأداء.
ففي المدرسة الحديثة، يُنظر إلى التقويم باعتباره أداة للتعلم وليس فقط وسيلة للقياس، إذ يُمكّن المدرس من التعرف على حاجات المتعلمين، وتحديد الصعوبات التي تواجههم، واقتراح أنشطة الدعم المناسبة.

في هذا المقال سنتناول مفهوم التقويم التربوي، أنواعه، وظائفه، وأبرز استراتيجياته الحديثة التي تجعل منه عملية بنّاءة تسهم في تحسين جودة التعليم.


🔹 أولًا: مفهوم التقويم التربوي

كلمة التقويم مشتقة من "القَوم"، أي التعديل والتصحيح.
ويُقصد به تربويًا:

“عملية منهجية تهدف إلى جمع وتحليل معلومات كمية ونوعية حول تعلم المتعلمين من أجل إصدار أحكام تتعلق بجودة التعلم واتخاذ قرارات مناسبة لتحسينه.”

فالتقويم ليس مجرد اختبار أو علامة، بل سيرورة مستمرة ترافق جميع مراحل التعلم: قبل، أثناء، وبعد التعلم.


🔹 ثانيًا: أهداف التقويم التربوي

يهدف التقويم التربوي إلى:

  • تشخيص المكتسبات الأولية للمتعلمين قبل بداية التعلم.

  • تتبع مدى تقدمهم خلال العملية التعليمية.

  • تحديد نقاط القوة والضعف لتوجيه التدخلات البيداغوجية.

  • دعم المتعلمين عبر خطط علاجية فردية أو جماعية.

  • تحسين الممارسات التعليمية عبر تغذية راجعة للمدرس.

  • اتخاذ قرارات موضوعية تتعلق بالنجاح أو الانتقال أو التوجيه.


🔹 ثالثًا: أنواع التقويم التربوي

ينقسم التقويم إلى ثلاث مراحل رئيسية:

  1. التقويم التشخيصي (أو القبلي)
    يتم في بداية التعلم أو السنة الدراسية لتحديد مستوى المتعلمين، ومعرفة مكتسباتهم السابقة، وتخطيط أنشطة الدعم الاستباقي.

    🔸 مثال: اختبار بسيط لقياس مدى استيعاب المتعلمين لمفاهيم السنة الماضية.

  2. التقويم التكويني (أو البنائي)
    يُرافق سير الدرس ويهدف إلى تتبع تقدم المتعلمين، وتعديل المسار التعليمي أثناء التنفيذ.
    إنه أداة دعم فوري للتعلم.

    🔸 مثال: أسئلة شفوية، أنشطة تطبيقية، ملاحظات مستمرة، تقويم ذاتي أو جماعي.

  3. التقويم الإجمالي (أو الختامي)
    يُنجز في نهاية وحدة أو فصل أو سنة دراسية لقياس مدى تحقق الكفايات المستهدفة، وغالبًا ما يعتمد على الاختبارات والعروض والمشاريع.

    🔸 مثال: الامتحانات الموحدة أو الوطنية.


🔹 رابعًا: وظائف التقويم التربوي

تُعتبر وظائف التقويم متعددة ومتكاملة:

  1. الوظيفة التشخيصية: تحديد انطلاق المتعلم ومعرفة الصعوبات.

  2. الوظيفة التكوينية: مواكبة التعلم وتقديم تغذية راجعة.

  3. الوظيفة الإشهادية: توثيق النتائج واتخاذ قرارات الانتقال.

  4. الوظيفة التوجيهية: مساعدة المتعلم على اختيار المسار المناسب.

  5. الوظيفة التحسينية: تحسين الممارسات التعليمية من خلال تحليل النتائج.


🔹 خامسًا: أدوات التقويم التربوي

تتعدد الأدوات التي يمكن للمدرس توظيفها في التقويم، نذكر منها:

  • الاختبارات الكتابية والشفوية.

  • الملاحظات المباشرة داخل القسم.

  • شبكات التقويم وجداول المعايير.

  • ملفات الإنجاز (Portfolio).

  • المشاريع والعروض التربوية.

  • الروبرك (Rubrique d’évaluation) لتقويم المهارات والكفايات.

  • الاختبارات الرقمية باستخدام أدوات مثل Google Forms أو Quizizz.


🔹 سادسًا: من المراقبة إلى الدعم

التحول الأساسي في التقويم الحديث هو الانتقال من منطق المراقبة إلى منطق الدعم.
ففي السابق، كان التقويم يعني “قياس ما تعلمه المتعلم” فقط، بينما اليوم يعني أيضًا:

“كيف نساعد المتعلم على التعلم بشكل أفضل؟”

وهذا التحول يتطلب من المدرس:

  • تحليل نتائج التقويم لفهم الصعوبات.

  • تخطيط أنشطة دعم علاجية.

  • إشراك المتعلمين في التقويم الذاتي لرفع الوعي بالتعلم.

  • جعل التغذية الراجعة بناءة ومشجعة لا عقابية.


🔹 سابعًا: التقويم في ضوء المقاربة بالكفايات

في إطار المقاربة بالكفايات، لم يعد التقويم يقيس فقط المعارف، بل قدرة المتعلم على تعبئة الموارد لحل وضعيات حقيقية.
أي أن الهدف لم يعد "هل يعرف؟" بل "هل يستطيع أن يوظف ما يعرف؟"

لذلك يُفضل استعمال وضعيات إدماجية كوسيلة لتقويم الكفايات، تجمع بين المعارف والمهارات والقيم.


🔹 ثامنًا: معايير جودة التقويم

لكي يكون التقويم ناجحًا وموضوعيًا، يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:

  • الصدق: أن يقيس ما يُفترض قياسه فعلًا.

  • الثبات: أن تكون نتائجه متقاربة في ظروف مماثلة.

  • الموضوعية: أن لا تتأثر بالأحكام الشخصية.

  • العدالة: أن يمنح فرصًا متكافئة للجميع.

  • الوضوح: في الأهداف والمعايير والتعليمات.


🔹 تاسعًا: الصعوبات التي تواجه التقويم التربوي

رغم التقدم الحاصل، لا يزال التقويم يواجه عراقيل عدة مثل:

  • التركيز المفرط على الاختبارات الكتابية.

  • ضعف تكوين المدرسين في بناء أدوات التقويم الحديثة.

  • قلة الوقت لإنجاز تقويمات فردية دقيقة.

  • غياب ثقافة التقويم البنّاء لدى المتعلمين وأوليائهم.

لكن إدماج التكنولوجيا (الاختبارات الرقمية، التطبيقات التفاعلية...) يمكن أن يخفف من هذه الصعوبات.


🔹 عاشرًا: التقويم كأداة لتحسين جودة التعليم

يُعتبر التقويم اليوم ركيزة أساسية في منظومة الجودة التربوية.
فعندما يُستعمل التقويم كآلية للتوجيه والدعم، يتحول إلى محرك أساسي لتجويد التعلمات وتحقيق الإنصاف المدرسي.
لذلك، يجب أن يُنظر إليه كـ ثقافة تربوية مستمرة ترافق كل مراحل التعليم، لا كمرحلة نهائية.


🔹 خاتمة

إن التقويم التربوي لم يعد مجرد وسيلة لتصنيف المتعلمين أو وضع العلامات، بل أصبح فنًا في بناء التعلم وتطويره.
فالتقويم الفعّال هو الذي يُسهم في تحفيز المتعلمين، وتثمين مجهوداتهم، وتمكينهم من تجاوز تعثراتهم بثقة.

ولعل أهم ما يمكن أن نختتم به هو قول أحد المربين المعاصرين:

“عندما يصبح التقويم أداة للتعلم، يتحول الخطأ من فشل إلى فرصة للنمو.”

 

google-playkhamsatmostaqltradent