recent
آخر المواضيع

الذكاء العاطفي في تربية الأطفال

 

ما يحتاجه أطفالنا اليوم هو ما يتجاوز العقل إلى القلب، فالمهارات تساعدهم على فهم ذواتهم، والتعاطف مع الآخرين، وبناء علاقات إنسانية صحية.

تعد التربية الإيجابية القائمة على الذكاء العاطفي بوَّابة لتعليمٍ أكثر إنسانية، توازن بين التفوق الأكاديمي والنمو النفسي والاجتماعي، ولعلَّ أجمل ما في هذه التربية أنَّها تمنح الأطفال ما يحتاجونه ليصبحوا قادة متفهمين، وأفراداً قادرين على صناعة مستقبل أكثر عدلاً ورحمة.

دور الوالدين في تعليم الطفل الوعي بالمشاعر تتشكل شخصية الطفل من خلال محيطه وعائلته، فمثلاً لكي نعلِّم الأطفال الفضيلة، يجب أن نعيشها أمامهم، فالوالدان ونماذجهم الحياتية تشكل أساساً لنمو الطفل الأخلاقي والعاطفي، وكل ما يفعله الوالدان مع الطفل لا يختفي أبداً من شخصيته المستقبلية، وعموماً يحتاج  الطفل إلى الحرية لاكتشاف نفسه، ولكن بتوجيه الوالدين الحكيم.

تؤكد كل هذه الرؤى أنَّ دور الوالدين في تنمية وعي الطفل بمشاعره أساسي لبناء الثقة بالنفس وصقل شخصيته العاطفية والاجتماعية.

الأب والأم "قدوة عاطفية" للطفل عندما يلاحظ الطفل والدته تبتسم بعد يوم طويل، أو يرى والده يهدِّئ نفسه عند الشعور بالغضب، يفهم تدريجياً أنَّ المشاعر جزء طبيعي من حياتنا اليومية.

حين يعبِّر الوالدان عن فرحهما عند تحقيق إنجاز صغير للطفل أو يعتذران عند ارتكاب خطأ يتعلم الطفل أنَّ التعبير عن المشاعر والتعامل معها، سلوك هامٌّ وصحي.

يتَّضح من خلال هذه الأمثلة اليومية أنَّ الوالدين، ليسوا مجرد مراقبين لسلوك الطفل؛ بل هم المعلمون الأوائل الذين يوجهون الطفل تجاه الوعي العاطفي، ويمدونه بالقدرة على التعرف على مشاعره وفهم مشاعر الآخرين، مما يشكِّل الأساس لنموه النفسي والاجتماعي الصحي.

تسمية المشاعر "جسر وعي الطفل العاطفي" تعني تسمية المشاعر التعرف على الشعور الذي يختبره الطفل وربطِه بالكلمة المناسبة، وهي خطوة أساسية تمكِّنه من فهم نفسه والتواصل بوعي مع الآخرين، وتقلل التصرفات الانفعالية العشوائية، فيجد وسيلة للتعبير عن نفسه بالكلمات بدل الصراخ أو الانسحاب. كما تعزز هذه المهارة قدرته على إدارة مشاعره والتحكم بسلوكه.

يؤدي الوالدان في هذا السياق دور المرشدَين الرئيسَيْن، من خلال الملاحظة اليومية لسلوك الطفل وتعابير وجهه، ووصف مشاعره بالكلمات التي تناسب شعوره، وربط هذه المشاعر بالمواقف الواقعية التي يعيشها، ليصبح الطفل تدريجياً أكثر وعياً بمشاعره، وأكثر قدرة على التعامل معها تعامُلاً صحياً وبنَّاء، فمثلاً:

الحزن: إذا سقطَ الطفل في اللعب وبكى، يقول الوالد: "أرى أنَّك حزين لأنَّك وقعت. شعور الحزن طبيعي عندما نتأذى" هنا يتعلم الطفل كلمة "حزن" ويربطها بتجربة شخصية. الغضب: عندما يرفض الطفل مشاركة لعبة مع أخيه ويصرخ، يمكن للوالد أن يشرح: "أنت غاضب لأنَّك تريد اللعب وحدك، من الطبيعي أن نشعر بالغضب أحياناً، فكل إنسان يحتاج إلى بعض الخصوصية." الفرح والسعادة: عندما يحصل الطفل على مديح أو هدية، يقول الوالد: "أرى أنَّك سعيد جداً بهديتك الجديدة." شاهد بالفيديو: كيف تجعل ابنك ذكياً عاطفياً؟

الإصغاء الفعال "بوابة الطفل لشعوره بالأمان" الإصغاء الفعال مهارة من مهارات الحياة، تعني أن يمنح الوالدان الطفل اهتمامهما الكامل عند التعبير عن مشاعره، دون مقاطعة أو إنكار لما يشعر به، وهذه المهارة تمنح الطفل شعوراً بالأمان، وتجعله يدرك أنَّ مشاعره محل احترام وفهم.

يجب أن تعلم أيضاً أنَّ الإصغاء الفعال، لا يقتصر على الكلمات فقط؛ بل يشمل الاهتمام بالطفل جسدياً وعاطفياً، مثل التربيت على كتفه أو النظر في عينيه في حديثه، لتوصيل رسالة "أنا معك وأفهمك".

مثلاً: إذا شعرَ الطفل بالحزن بسبب خسارة لعبة، يعبِّر في هذا الموقف عن شعور بالحزن بسبب فقدان ممتلكاته أو تعطُّل لعبته المفضلة، فالحزن شعور طبيعي يعكس ارتباط الطفل بالشيء الذي فقده أو بالمتعة التي كان يحصل عليها من اللعبة، وعدم التعامل مع هذا الحزن تعاملاً صحيحاً، قد يؤدي إلى انفعال أو صراخ أو تحطيم أشياء أخرى.

في مثل هذه المواقف، ماذا يجب أن يفعل الوالدان؟ يجب أن يتبع الوالدان النصائح التالية:

حدِّد مشاعر طفلك: لاحِظ شعوره وأعطِه كلمات تعكس فهمك لما يشعر به، قلْ: "أرى أنَّك حزين لأنَّ لعبتك انكسرت". وضِّح طبيعة الشعور: ساعِد طفلك على إدراك أنَّ الحزن، شعور طبيعي يمرُّ به الجميع أحياناً، فلا تقلق أو تنزعج. وجِّه سلوكه بإيجابية: ساعِده بعد الاعتراف بمشاعره على التفكير في حل أو طريقة للتعامل مع الموقف، مثل قولك: "دعنا نرى كيف يمكننا إصلاحها معاً." تفاعَل عملياً معه: شارِكه في محاولة إصلاح اللعبة أو التفكير بحل بديل، فهذا يشعره بالسيطرة على الموقف. راقِب النتيجة: سيطمئن طفلك؛ لأنَّه يعترف بمشاعره، وسيتعلم أنَّ الحزن شعور طبيعي يمكنه التعامل معه بصورة بنَّاءة، بدل الانفعال أو الاستسلام للمشاعر السلبية. أدوات ونشاطات عملية لتعزيز مهارات طفلك العاطفية "يريد أطفالنا منَّا أن نوفر لهم مساحة آمنة لمعالجة مشاعرهم الصعبة أكثر مما يريدون منَّا أن نحل كل مشكلاتهم" – شيلي روبنسون

تمنح الأدوات والنشاطات العملية طفلك فرصة حقيقية لتنمية ذكائه العاطفي وتقوية مهارات الحياة لديه، وهذه الأدوات تقوم على التعلم التدريجي لمهارات التعبير عن المشاعر وفهمها، بالتالي يكتسب طفلك الثقة بالنفس ويتعامل مع تحديات الحياة بإيجابية وفعالية:

  1. أداء الأدوار تخيَّل أنَّ أداء الأدوار، مثل مسرح صغير تمنح فيه طفلك فرصة ليعيش مواقف الحياة، لكن دون أي خطر، فعندما يمثل أنَّه طبيب، أو معلم، أو حتى طفل يتعرض لمشكلة، فهو يتدرَّب على مهارات الحياة الحقيقية: كيف يعبِّر عن مشاعره، وكيف يحل خلافاً مع صديقه، وكيف يختار رد الفعل المناسب بدلاً من الغضب أو البكاء.

يتعلم طفلك من خلال هذه التجربة الآمنة أن يضع نفسه مكان الآخرين، وأن يفكر قبل أن يتصرف، وأن يكتسب الثقة بالنفس؛ لأنَّه جرَّب الموقف من قبل، وهكذا يصبح اللعب أداة سحرية في تربية الأطفال وبناء الذكاء العاطفي لديهم.

  1. الكتب والقصص لا تعد القصص مجرد وقت للترفيه قبل النوم؛ بل هي نافذة يدخل منها طفلك ليتعرف على عالم مشاعره، فعندما تقرأ له قصة عن بطل حزين أو غاضب أو سعيد، أنت تعلِّمه بصورة غير مباشرة كيف يُسمّي ما يشعر به، وكيف يعبِّر عنه من دون خوف أو خجل.

تخيَّل أنَّ طفلك يسمع قصة عن بطل فقَدَ شيئاً ما يحبه، ثم تسأله: "كيف ستشعر لو كنت مكانه؟" هنا تبدأ لحظة ذهبية من التربية الإيجابية، فيتعلَّم طفلك التعاطف ويكتسب أداة جديدة من مهارات الحياة تساعده على مواجهة مواقف يومه بثقة أكثر.

  1. لعبة المرآة حين يقلِّد طفلك وجهك وأنت غاضب أو سعيد، فهو لا يضحك فقط؛ بل يتعلم أن يقرأ لغة الوجه ويترجمها إلى مشاعر، وهي مهارة أساسية للتواصل مع الآخرين.

  2. لعبة الالتقاط يمكن للعبة الكرة البسيطة أن تصبح درساً قيِّماً في رحلة تربية الأطفال وتدريبهم على  مهارات الذكاء العاطفي، فعندما تطلب من طفلك أن يتأكد أنَّ صديقه جاهز لالتقاط الكرة، فهو ينتبه للآخرين ويراعي مشاعرهم ويعزز فهمه لكيفية التفاعل الإيجابي مع المحيط، وهي أساس التربية الإيجابية اليومية.

  3. ألعاب تدريب الطفل على الإصغاء لعبة "يقول سايمون" (Simon Says) هي أكثر من مجرد اتباع أوامر. إنَّها تدريب عملي على الإصغاء، والتركيز، وكبح الاندفاع، وعندما تدمج المشاعر فيها، مثل "سايمون يقول اعمل وجهاً حزيناً"، فأنت تضيف بعداً عاطفياً ممتعاً.

مثال عن كيفية اللعب:

يقف طفل ليكون "سايمون". يُعطي سايمون أوامر للَّاعبين. يجب على اللاعبين تنفيذ الأوامر فقط حين يقول الطفل الذي يؤدي دور سايمون: "يقول سايمون"، ومن ثم يحدد ما يريد. إذا قال: "يقول سايمون، ارفع يديك"، فيجب على اللاعبين رفع أيديهم. أمَّا إذا قال: "المِس أنفك" دون أن يسبقها "يقول سايمون"، فلا يجب على اللاعبين لمس أنوفهم، وأي لاعب يلمس أنفه في هذه الحالة يُستبعَد من اللعبة. تستمر اللعبة حتى يبقى لاعب واحد فقط، وهو الفائز. لعبة التعليمات المتتابعة اطلب من الطفل تنفيذ سلسلة من التعليمات البسيطة، مثل: "المس أنفك، ثم اقفز ثلاث مرات، ثم اجلس". يتعلم التركيز على التفاصيل وتنفيذها بالترتيب.

لعبة القصة المتغيرة اسرد قصة، واطلب من الطفل تكرار جزء منها أو التنبؤ بما سيحدث لاحقاً، بالتالي سينتبه للتفاصيل ويفهم السياق.

  1. إخفاء الوجه غطِّ فمك أو عينيك، ودَع طفلك يخمِّن مشاعرك، ففي هذه اللحظات البسيطة، يقرأ طفلك الإشارات غير اللفظية ويفهم ما وراء الكلمات.

  2. اللعب التعاوني اللعب مع الآخرين هو متعة وهو درس عملي في مهارات الحياة والذكاء العاطفي، فعندما يتعاون طفلك مع أصدقائه لحل مشكلة أو إكمال لعبة، يتعلم التواصل، والمشاركة، واحترام الآخرين، وهي ركائز أساسية في تربية الأطفال والتربية الإيجابية، من مثل:

إكمال ألغاز جماعية: ضع أمام الأطفال لوحة كبيرة لأحد الألغاز، ودعهم يعملون معاً لتجميعها، سيتعلم طفلك التعاون والصبر. لعبة بناء الأبراج بالقطع الخشبية: يضيف كل طفل قطعة بالتناوب، فيتعلم مشاركة الموارد والعمل بروح الفريق. 8. تشجيع الحديث الإيجابي مع الذات علِّم طفلك أن يتحدث إلى نفسه بكلمات مشجعة، مثل: "أنا أستطيع" أو "سأحاول مجدداً". يعزز هذا النوع من الحديث الثقة بالنفس ويمنحه أدوات داخلية لإدارة مشاعره والتغلب على الصعاب.

  1. تمرينات الوعي العاطفي اطرح على طفلك يومياً أسئلة بسيطة، مثل: "ما أجمل لحظة عشتها اليوم؟ وما أصعب لحظة؟"، ليتعرف على مشاعره ويفهمها، فمثلاً قبل النوم، اجلس معه واطلب منه أن يروي موقفاً أسعده أو أزعجه اليوم، وبعد العودة من المدرسة، اطلب منه مشاركة شعوره تجاه نشاط معيَّن أو موقف مع زملائه.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح ذهبية لتنمية الذكاء العاطفي عند الأطفال

أثر الذكاء العاطفي في سلوك الطفل وعلاقاته "من السهل علينا كبشر أن نغضب، ولكن ليس من السهل أن نغضب من الشخص المناسب بالقدر المناسب، وفي الوقت المناسب، وللسبب المناسب، وبالشكل المناسب."  أرسطو

يجب ضبط الانفعالات وتوجيهها توجيهاً سليماً، خصيصاً في تربية الأطفال، فحين يتعلم الوالدان كيف يديرون مشاعرهم ويتعاملون مع مشاعر أبنائهم، يبنون سلوكاً ناضجاً ومتَّزناً لأبنائهم من خلال:

  1. تحسين إدارة العواطف يتعرف الأطفال الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي على مشاعرهم وينظمونها تنظيماً أفضل ويتعاملون مع التوتر والإحباط تعاملاً صحياً، ويقللون من الانفعالات السلبية و السلوك العدواني.

  2. تعزيز مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي يُظهِر الأطفال الذين لديهم وعي عاطفي جيد مهارات اجتماعية أفضل، مثل التعاون وحل النزاعات وبناء صداقات صحية.

  3. تحسين الصحة النفسية والرفاهية يمنح الذكاء العاطفي الطفل مرونة عاطفية تساعده على مواجهة الضغوطات النفسية ويقلل القلق والاكتئاب، بينما يزيد شعوره بالسعادة والرضى عن نفسه.

  4. بناء شخصية مرنة قادرة على مواجهة الإحباط والفشل. يتعلم الطفل الذي يتمتع بالذكاء العاطفي أن يرى الفشل والتحديات بوصفها فرصاً للتعلم بدلاً من أن يكون مصدر إحباط، وهذه المرونة تساعده على النهوض بعد أية تجربة صعبة ومواصلة المحاولة بثقة.

إقرأ أيضاً: كيفية دعم التطور العاطفي لطفلك نصائح للآباء والأمهات إذا لم تكن قدراتك العاطفية حاضرة ولم يكن لديك الوعي الذاتي أو القدرة على إدارة مشاعرك المؤلمة أو التعاطف وبناء علاقات فعالة، فبغض النظر عن ذكائك، أنت لن تذهب بعيداً جداً.

لا تعد تربية الأطفال مجرد تعليم أو توجيه؛ بل هي فن التواصل العاطفي وفهم الطفل بوصفه كائناً يشعر ويتفاعل قبل أن يفكر أو يستجيب، فالذكاء العاطفي يخلق بيئة تربوية آمنة مليئة بالتعاطف والاحترام والنمو النفسي؛ لذا أقدِّم لكم بعض النصائح الضرورية لتطبيق أساليب التربية القائمة على الذكاء العاطفي:

تحلَّ بالصبر وتذكَّر أنَّ بناء الذكاء العاطفي لدى الطفل، يحتاج وقتاً وتكراراً. شجِّع الطفل على التعبير عن مشاعره وتسميتها دون إصدار أحكام. مارِس التعاطف بدلاً من التوبيخ عند حدوث الأخطاء، لفهم ما وراء السلوك. اسمَح للطفل بخوض تجارب جديدة ومواجهة تحديات صغيرة لتعزيز المرونة العاطفية. شجِّع الحوار العائلي المنتظم حول المشاعر والأحداث اليومية. قدِّم قدوة حسنة في التحكم بالمشاعر والتعبير عنها تعبيراً صحياً. اهتم بالذات؛ لأنَّ الوالد الهادئ والمتَّزن عاطفياً ينقل ذلك مباشرة للطفل. عزِّز مهارات حل المشكلات وتكيَّف مع المواقف الصعبة، بدلاً من التدخل لحل كل مشكلة نيابة عنه. لا تُفرِط في الحماية العاطفية و اسمَح للطفل بخوض تجارب مختلفة. إقرأ أيضاً: تنمية مهارات الذكاء العاطفي للأطفال في الختام يمنح اتباع أسلوب تربية الأطفال القائم على الذكاء العاطفي طفلك أدوات النجاح في الحياة: التعاطف، والثقة بالنفس، والمرونة لمواجهة التحديات. كلُّ لحظة تخصصها للحديث عن المشاعر أو ممارسة نشاطات عاطفية هي استثمار في مستقبله، فلا تنتظر؛ بل طبِّق اليوم هذه الاستراتيجيات البسيطة لتعزيز ذكاء طفلك العاطفي، وشارِك تجاربك مع مجتمعك لتلهم الآخرين أيضاً.

google-playkhamsatmostaqltradent