recent
آخر المواضيع

كيف ندرس وفق التعليم الصريح لتحقيق الأهداف المنشودة؟

 

يُعد التعليم الصريح (L’enseignement explicite) أحد أهم النماذج البيداغوجية الحديثة التي أثبتت فعاليتها في تحسين نتائج التعلم لدى المتعلمين في مختلف المستويات الدراسية. يقوم هذا النموذج على مبدأ أساسي هو أن المتعلمين يحتاجون إلى تعليم منظم، واضح، ومباشر من طرف المدرس، الذي يقود عملية التعلم بخطوات دقيقة ومتعاقبة، تتيح للمتعلمين الفهم العميق والممارسة المتدرجة حتى تحقيق الأهداف المنشودة.

 أولاً: مفهوم التعليم الصريح

يقصد بالتعليم الصريح أنه أسلوب تدريسي يعتمد على التوضيح والنمذجة والممارسة الموجهة فالمستقلة، حيث يتولى المعلم مسؤولية شرح المهارة أو المفهوم الجديد بطريقة واضحة ومنظمة، مع تقديم أمثلة عملية وتوجيه دقيق للتلاميذ إلى أن يصبحوا قادرين على الأداء المستقل.

بمعنى آخر، هو تعليم «يقول ويفعل»؛ يشرح المعلم ماذا يفعل، ولماذا يفعله، وكيف يفكر أثناء إنجازه.

 ثانياً: أسس التعليم الصريح

لكي يكون التعليم الصريح فعالاً، ينبغي أن يقوم على مجموعة من الأسس التربوية التي تشكل دعائمه الأساسية:

1. وضوح الأهداف التعليمية:

يجب أن يعرف المتعلم منذ البداية ما الذي سيتعلمه، وما المنتظر منه في نهاية الدرس.

2. التدرج المنطقي في التعلم:

يتم الانتقال من البسيط إلى المركب، ومن المعلوم إلى المجهول، ومن الفهم إلى التطبيق.

3. التحفيز والمشاركة النشطة:

يعتمد التعليم الصريح على إشراك المتعلمين باستمرار من خلال الأسئلة، والأمثلة، والأنشطة التفاعلية.

4. التقويم المستمر والتغذية الراجعة:

لا يترك المعلم الأخطاء تمرّ دون تصحيح، بل يتابع التلاميذ خطوة بخطوة ويوجههم بلطف نحو الأداء الصحيح.


 ثالثاً: مراحل التعليم الصريح

يمر التعليم الصريح بخمس مراحل مترابطة تشكل البنية الأساسية لهذا النموذج:

1. مرحلة التهيئة والتحفيز

في هذه المرحلة، يُهيئ المعلم أذهان المتعلمين لاستقبال التعلم الجديد.

يقوم بـ:

تقديم هدف الدرس بوضوح: «اليوم سنتعلم كيف نميز بين الجملة الاسمية والفعلية».

ربط الدرس الجديد بالتعلمات السابقة.

تحفيز المتعلمين عبر وضعية مشوقة أو سؤال يثير التفكير.

الغاية من هذه المرحلة هي خلق سياق واضح ومثير يدفع المتعلم إلى الاهتمام والمشاركة.


2. مرحلة النمذجة (Modelage)

هنا، يقوم المعلم بشرح وتوضيح المهارة الجديدة بنفسه، مع التفكير بصوت مرتفع أمام المتعلمين.

مثلاً، إذا كان الهدف هو كتابة فقرة وصفية، يعرض المعلم نموذجاً، ويبين الخطوات التي يتبعها، مع توضيح المعايير (البداية – الوصف – الخاتمة).

يستعمل في هذه المرحلة:

أمثلة ونماذج متنوعة.

الوسائل السمعية البصرية كالصور والعروض التوضيحية.

لغة بسيطة ومباشرة يسهل فهمها.

الهدف منها هو جعل التفكير «مرئياً» للمتعلمين حتى يقلدوا الطريقة الصحيحة في التعلم.


3. مرحلة الممارسة الموجهة

بعد أن يقدّم المعلم النموذج، ينتقل إلى إشراك التلاميذ في التطبيق تحت إشرافه المباشر.

يطلب منهم إنجاز أنشطة قصيرة مشابهة للنموذج مع توجيهات دقيقة.

في هذه المرحلة:

يطرح المعلم أسئلة تحفيزية وموجهة.

يصحح الأخطاء في الحين.

يشجع المشاركة الجماعية.

يُعتبر هذا الجزء أساسياً في بناء الفهم؛ إذ يسمح بتثبيت المعارف وتصحيح المسارات قبل المرور إلى الاستقلالية.


4. مرحلة الممارسة المستقلة

حين يتأكد المعلم من فهم المتعلمين، يمنحهم أنشطة فردية أو جماعية صغيرة ليطبقوا ما تعلموه بأنفسهم.

هنا، يتراجع دور المعلم إلى الملاحظة والتقويم.

الهدف هو ترسيخ التعلم وتعويد المتعلم على الاعتماد على ذاته.

يمكن أن تتخذ الأنشطة شكل تمارين تطبيقية، إنتاجات كتابية، أو مشروعات صغيرة.


5. مرحلة التقويم والدعم

في نهاية الدرس، يقوم المعلم بتقويم مدى تحقق الهدف التعلمي عبر:

اختبار بسيط، أو نشاط نهائي.

تحليل أداء المتعلمين وتقديم تغذية راجعة فورية.

اقتراح أنشطة دعم أو تعميق حسب الحاجة.

هذه المرحلة تضمن استدامة التعلم وتصحيح التعثرات في الوقت المناسب.


 رابعاً: مميزات التعليم الصريح

1. وضوح الخطوات التعليمية مما يسهل على المتعلم المتابعة والفهم.

2. تحقيق التعلم الفعّال لجميع الفئات، بما في ذلك المتعثرون.

3. تعزيز الثقة بالنفس لدى التلاميذ من خلال النجاح التدريجي.

4. تحسين نتائج التحصيل الدراسي بفضل التنظيم والدقة.

5. توفير بيئة تعلم آمنة ومشجعة قائمة على التفاعل والتغذية الراجعة المستمرة.


 خامساً: دور المعلم في التعليم الصريح

في هذا النموذج، لا يكتفي المعلم بدور الملقّن، بل يصبح:

منظماً للتعلم.

موجهاً للفكر والسلوك.

ملاحظاً دقيقاً لتقدم كل متعلم.

مقيّماً مستمراً يقدم المساعدة الفورية.

إنه قائد الصفّ الذي يرشد المتعلمين بخطة واضحة نحو تحقيق الأهداف بكفاءة.


 سادساً: تحقيق الأهداف المنشودة عبر التعليم الصريح

إن تحقيق الأهداف التعليمية يتطلب وضوحاً في المقاصد وتنظيماً في المراحل.

ومن خلال التعليم الصريح يمكن ضمان ذلك بفضل:

1. التركيز على الهدف منذ البداية حتى النهاية.

2. الربط المستمر بين الهدف والأنشطة التعليمية.

3. توظيف التغذية الراجعة لتقويم التقدم نحو الهدف.

4. تثبيت التعلمات من خلال الممارسة المتكررة والموجهة.

بهذه الطريقة، يتحقق التعلم الفعّال، وتتضح النتائج في مستوى الفهم والأداء والثقة بالنفس.


 سابعاً: التحديات والحلول

رغم فعالية التعليم الصريح، فإنه يواجه بعض الصعوبات:

ضيق الوقت الزمني للحصص الدراسية.

كثرة الفوارق بين المتعلمين.

الاعتماد الزائد على المعلم أحياناً.

وللتغلب عليها، يمكن اعتماد:

تخطيط جيد للدرس مسبقاً يراعي الوقت والمستويات.

تنويع الوسائل والأنشطة.

تشجيع العمل التعاوني لتنمية روح المشاركة.

 الخلاصة والتوصيات العملية

إن التدريس وفق التعليم الصريح هو خيار بيداغوجي فعّال يجعل المتعلم في قلب العملية التعليمية، لكنه في الوقت نفسه يحافظ على وضوح الأدوار بين المعلم والمتعلم.

ولتحقيق الأهداف المنشودة من هذا النمط، يُستحسن للمدرسين ما يلي:


1. تحديد أهداف كل حصة بدقة ووضوح.

2. استعمال لغة تعليمية بسيطة مدعّمة بالأمثلة الواقعية.

3. اعتماد النمذجة في تقديم الدروس الجديدة.

4. تفعيل الممارسة الموجهة والمستقلة بذكاء.

5. تقديم تغذية راجعة آنية وبنّاءة.

6. تقويم مستمر يتبعه دعم فوري للمتعثرين.

وبذلك يصبح التعليم الصريح وسيلة فعّالة لبلوغ التعلم الحقيقي والمستدام، ويغدو المتعلم فاعلاً واثقاً قادرًا على توظيف معارفه في مواقف الحياة الواقعية.

google-playkhamsatmostaqltradent