حذر وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي، سعد برادة، خلال عرضه أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، من الخطر البنيوي المتفاقم الذي يمثله الهدر المدرسي على مستقبل الشباب المغربي ونسيج المجتمع، كاشفاً أن حوالي 300 ألف تلميذ يغادرون الفصول الدراسية كل سنة، لينضموا إلى ما يفوق 1.5 مليون شاب وشابة من فئة نيت أي الذين لا يدرسون ولا يعملون ولا يتابعون أي تكوين مهني.
وأوضح الوزير أن هذه الفئة مرشحة للارتفاع سنوياً بما بين 200 و300 ألف شاب إضافي إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وشاملة للحد من الهدر المدرسي، مشيراً إلى أن معالجة الظاهرة لا يمكن أن تكون مسؤولية وزارة التعليم وحدها، بل تقتضي تنسيقاً وثيقاً مع وزارة الداخلية، والمجالس المنتخبة، وقطاعات أخرى معنية بالتنمية الاجتماعية والمجالية .
وكشف برادة أن 280 ألف تلميذ يغادرون المدارس سنوياً، أكثر من نصفهم (160 ألفاً) في التعليم الإعدادي، مؤكداً أن وزارته تعمل على تقليص هذه النسبة بنسبة 50 في المئة في أفق السنوات المقبلة، عبر مسارين متوازيين: الأول يهم الوقاية من الانقطاع من خلال تحسين ظروف التمدرس، والثاني يخص إعادة إدماج المنقطعين عبر برامج مدارس الفرصة الثانية ، التي تستقبل هذه السنة 35 ألف طفل، يحصل كل واحد منهم على دعم مالي بقيمة 6000 درهم سنوياً، إلى جانب فرص للتكوين المهني بهدف تمكينهم من اكتساب مهارات عملية، و قال الوزير هدفنا واضح، ألا يبقى أي طفل بعد سنتين أو ثلاث في الشارع دون دراسة أو تكوين أو عمل. هذا التحدي وطني بامتياز .
وأكد برادة أن معالجة الهدر المدرسي في التعليم الابتدائي لا تقل أهمية عن المستويات الأخرى، مشيراً إلى أن السبب الرئيسي وراء مغادرة الأطفال للمدرسة في القرى والمناطق الجبلية هو بُعد المؤسسات التعليمية وصعوبة الولوج إليها . وأوضح أن الحل يكمن في تعزيز النقل المدرسي وتوسيع الداخليات ودور الطلبة، معتبراً أن الطفل الذي يبعد عن المدرسة بأكثر من ساعة يحتاج إلى نقل مدرسي، ومن تبعد مدرسته بأكثر من ذلك يحتاج إلى داخلية أو دار للطلبة .
وشدد الوزير على أن النقل المدرسي سيحظى بميزانية غير مسبوقة في السنوات المقبلة ، لكنه في الوقت نفسه أقر بأن هناك عوامل أخرى لا تقل خطورة عن بعد المدرسة، من بينها غياب الماء والمرافق الصحية في العديد من المؤسسات التعليمية، خصوصاً في المناطق الجبلية والنائية.
كشف وزير التعليم أن هناك آلاف الأقسام المنتشرة في مناطق جبلية لا تصلها أبسط مقومات الحياة المدرسية الكريمة ، مضيفاً: اليوم عندنا أربعة آلاف قسم في الجبل ما واصلهم لا ماء لا مرحاض. خدينا الالتزام نحلو المشكل، وبدينا نشتغلو بحلول مبتكرة منها الاعتماد على صور الأقمار الصناعية لرصد المؤسسات اللي ما فيهاش هاد التجهيزات .
وأكد الوزير أن المدرسة التي لا تتوفر على ماء صالح للشرب أو مرافق صحية مخصصة للبنات هي مدرسة محكوم عليها بالفشل منذ البداية ، موضحاً أن غياب هذه المرافق يؤدي مباشرة إلى ارتفاع معدلات الانقطاع عن الدراسة في صفوف الفتيات، خاصة عند بلوغ سن معينة. وقال برادة: الآباء ما يقدروش يرسلو بناتهم لمدرسة ما فيهاش مرحاض، وهاد المشكل رغم بساطته في الظاهر، عنده تأثير كبير على مستقبل آلاف التلميذات .
واعتبر برادة أن استمرار مؤسسات تعليمية في العمل دون ماء أو مرافق صحية في سنة 2025 أمر غير مقبول ويمس كرامة التلاميذ ، مضيفاً أن الوزارة، بتنسيق مع المديريات الإقليمية والجماعات المحلية، تعمل على إعداد خرائط دقيقة لحصر المؤسسات المتضررة وتحديد الأولويات في عملية الإصلاح، خاصة فيما يتعلق بتوفير مراحيض منفصلة للبنين والبنات.
وأضاف الوزير أن توفير المرافق الصحية ليس فقط مسألة تقنية أو لوجيستية، بل هو مسألة كرامة وأولوية وطنية . مشدداً على أن الهدر المدرسي عند الفتيات لا يرتبط فقط بالفقر أو ضعف مستوى التعليم، بل كثيراً ما يكون سببه المباشر غياب مرحاض نظيف أو ماء صالح للاستعمال .
وأشار برادة إلى أن الوزارة بصدد إعداد خطة وطنية شاملة لتأهيل المؤسسات التي تفتقر للبنية التحتية الأساسية، مضيفاً: كاين مشكل، وكنقولوها بكل شفافية، ولكن راحنا خدامين عليه. ماشي معقول في 2025 تبقى عنا مدارس بلا مراحيض .
وختم الوزير مداخلته بالتأكيد على أن القضاء على الهدر المدرسي وتحسين ظروف التعليم في القرى والمناطق النائية ليس مجرد مشروع وزاري، بل رهان مجتمعي يرتبط بمستقبل التنمية في المغرب ، داعياً إلى تعبئة شاملة تشمل الجماعات الترابية، المجتمع المدني، والقطاع الخاص من أجل أن يستعيد التعليم دوره الحقيقي كرافعة للكرامة والعدالة الاجتماعية .