يشكل الزي المدرسي الموحد في المؤسسات التعليمية بالمغرب أداة أساسية تتجاوز وظيفتها الشكلية لتشمل وظائف أخرى تقع في صلب أهداف عملية التربية والتكوين؛ من خلال تعزيز الانضباط وترسيخ الانتماء للوسط المدرسي إلى جانب تقليص الفوارق الاجتماعية بين التلاميذ، إذ يؤكد مهتمون أن توحيد اللباس على مستوى المدارس يسهم في بناء بيئة مدرسية متوازنة تحافظ على الهوية الثقافية والقيم المجتمعية، خاصة في ظل التحولات السريعة التي يشهدها الجيل الجديد في أساليب اللباس والسلوك.
جمال شفيق، خبير تربوي، قال إن “اعتماد الزي المدرسي الموحد له أهمية تربوية كبيرة؛ فهو يساهم في ترسيخ الانضباط داخل المؤسسات التعليمية ويعزز شعور الانتماء لدى التلاميذ إلى وسطهم المدرسي، حيث إن توحيد هذا الزي يعد جزءًا من منظومة التربية والتكوين في العديد من الدول المتقدمة، لأنه يساعد على خلق بيئة تحصيل متساوية بين جميع التلاميذ ويذيب الفوارق الاجتماعية والطبقية داخل الوسط المدرسي”.
وأضاف شفيق، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “توحيد الزي المدرسي هو أداة تربوية تساعد التلميذ على الشعور بالانتماء إلى المدرسة؛ مما يعزز من احترام القواعد والأنظمة الداخلية للمؤسسات التربوية”.
وشدد الخبير التربوي على أنه “يحافظ أيضًا على الطابع الخاص للوسط المدرسي، فهو يضع الحدود بين البيئة التعليمية والعالم الخارجي.. وبالتالي فإن الالتزام به، إلى جانب اللباس المقبول، يضمن حسن سير العملية التعليمية بشكل سلس”.
وأكد المتحدث أن “في ظل ظهور جيل جديد يميل أحيانًا إلى تقليد أساليب الغرب في اللباس، يبرز الزي المدرسي الموحد كوسيلة للحفاظ على القيم المجتمعية والهوية الثقافية للمغاربة؛ فهو يذكر التلاميذ بأهمية الحفاظ على القيم السائدة في المجتمع كالاحترام والتآزر والتعاون، بما يجعل من المدرسة فضاءً يدمج بين التعليم والتربية والتكوين وكذا الانتماء المجتمعي”.
من جهته، أوضح خالد التوزاني، أستاذ جامعي ورئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، أن “الزي المدرسي يشكل أداة تربوية وحاضنة قيمية تعزز هوية التلميذ وسلوكه داخل المحيط المدرسي. كما يمثل إحدى الركائز الأساسية في بناء منظومة تربوية متكاملة ومنصفة وعادلة ومواطنة، حيث إن وظائفه كثيرة؛ لعل أهمها ضبط السلوك وتعزيز الانضباط من خلال إحداث تحول نفسي لدى التلميذ والتلميذة، بالانتقال من الذاتية إلى المؤسسية، أي من الحالة الفردية والحرية الشخصية خارج المدرسة إلى حالة الالتزام والانتماء إلى جماعة المدرسة والقسم داخل الفضاء المدرسي”.
وتابع التوزاني، في حديث مع هسبريس، أن “هذا اللباس يذكر التلميذ بأنه في مكان له قوانينه وأخلاقياته؛ مما يعزز الاحترام للنظام المدرسي. كما يعمل أيضًا على تحفيز التركيز وتقوية الانتباه، ويعمل على توحيد الانتماء الاجتماعي الذي يكشفه عادة مظهر التلاميذ؛ وهذا ما يعزز المساواة في التعامل، إذ يصبح جميع التلاميذ متساوين في نظر زملائهم وأساتذتهم والإدارة، مما يسهل تطبيق معايير الانضباط بشكل عادل وشامل، دون تأثر لا واعٍ بالمظهر الخارجي أو الخلفية الاجتماعية للتلميذ”.
وشدد رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي على أن “الفضاء المدرسي ليس مجرد مبنى فقط؛ بل هو مجتمع مصغر، والزي الموحد هو رمز مرئي وعلامة على الهوية. ويعطي للتلميذ والتلميذة شعورًا بالفخر والاعتزاز بانتمائه لمدرسته وزملائه؛ مما يحد من ظاهرتي الغياب والتسرب والتنمر والإقصاء والعزلة”.
وأضاف المتحدث عينه أنه “يمكن توظيف الزي المدرسي الموحد في تعميق الانتماء الوطني، من خلال وضع شعار المملكة في اللباس أو شعار وزارة التربية الوطنية أو شعار المؤسسة، تجسيدًا للوحدة ضمن التنوع التي يطبع المملكة المغربية؛ فاللباس الموحد يعمل على تشكيل هوية وطنية موحدة في مكان أساسي لبناء المواطنة وهو المدرسة”.
وخلص التوزاني إلى أن “هذا اللباس يسهم في الحد من الفوارق الطبقية والاقتصادية بين التلاميذ، خاصة أن الكثير منهم ينتمون إلى فئات اجتماعية فقيرة أو متوسطة. ولذلك، فإن توحيد اللباس يزيل الضغط المادي والمعنوي على أولياء الأمور الذين قد لا يقدرون على توفير ملابس متنوعة وعصرية تكون غالبًا مكلفة ماديًا؛ مما يحمي الأطفال من مشاعر النقص أو الإحساس بالدونية، ويسهل اندماجهم في بيئة المدرسة. وهذا يعني تحقيق تكافؤ الفرص والعدالة للجميع؛ وهو أمر بالغ الأهمية لبناء ثقة التلميذ في نفسه وفي المنظومة، وتحسين علاقاته مع زملائه وأصدقائه وأساتذته”.