شهد قطاع التعليم بالمغرب خلال السنوات الأخيرة تحولات بارزة، أبرزها تزايد ظاهرة انتقال أعداد مهمة من التلاميذ من مؤسسات التعليم الخصوصي نحو التعليم العمومي. هذه الظاهرة التي باتت تثير نقاشاً واسعاً بين الأسر والفاعلين التربويين، تكشف عن أبعاد متعددة تتداخل فيها الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والبيداغوجية.
فحسب معطيات رسمية، سجّل الموسم الدراسي 2022/2023 مغادرة حوالي 85 ألف تلميذ للتعليم الخصوصي نحو العمومي، في حين بلغت الأعداد خلال الموسم 2023/2024 نحو 80 ألف تلميذ. ويُتوقع أن يعرف الموسم الدراسي 2025/2026 ارتفاعاً أكبر في هذه الظاهرة، ما ينذر بضغط إضافي على البنية التحتية للمؤسسات التعليمية العمومية.
ويرجع المراقبون هذه الهجرة إلى جملة من العوامل؛ أبرزها الارتفاع المستمر في تكاليف التمدرس بالقطاع الخاص، مقابل محدودية القدرة الشرائية للأسر، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تعرفها البلاد. كما يشير آخرون إلى تراجع ثقة بعض الآباء في جودة التعليم الخصوصي، نتيجة غياب المراقبة الصارمة وتفاوت مستويات التكوين والتأطير بين المؤسسات.
وفي المقابل، بدأت المدرسة العمومية تستعيد شيئاً من جاذبيتها، بفضل عدد من البرامج الإصلاحية التي أطلقتها وزارة التربية الوطنية، من بينها مشروع مؤسسات الريادة وتوسيع شبكة الدعم الاجتماعي عبر النقل المدرسي والإطعام والمنح، إضافة إلى تحسين التجهيزات وتطوير المناهج.
غير أن هذا النزوح يطرح تحديات حقيقية أمام المنظومة التعليمية العمومية، التي تجد نفسها مطالبة باستيعاب أعداد إضافية من التلاميذ، مما قد يثقل كاهلها ويؤثر على جودة التعلمات إذا لم ترافقه إجراءات استباقية ناجعة.
ويرى خبراء في التربية أن معالجة هذه الإشكالية تقتضي إعادة النظر في تنظيم قطاع التعليم الخصوصي عبر وضع ضوابط أو تسقيف للأسعار، وضمان جودة تعليمية حقيقية تستجيب لتطلعات الأسر. كما أن نجاح الإصلاح العمومي مرهون بقدرة الدولة على الاستثمار أكثر في البنية التحتية وتأهيل الموارد البشرية بما يضمن عدالة تعليمية ومجالية.
إن نزوح التلاميذ من التعليم الخاص إلى العمومي ليس مجرد انتقال عابر، بل هو مؤشر على تحولات اجتماعية عميقة تستدعي قراءة متأنية ورؤية إصلاحية متكاملة، تضع مصلحة المتعلم في صلب الأولويات، بعيداً عن منطق السوق والربح.
