لقي قرار صادر عن المحكمة التجارية بطنجة، يقضي ببطلان عقد إنجاز مؤسسة تعليمية خاصة بين أبرشية طنجة ومجموعة مدارس الحمراء، رد فعل شديد اللهجة من طرف هذه الأخيرة، التي عبّرت عن احتجاجها ووصفت الحكم بغير العادل، متهمة الأبرشية بمحاولة استيلاء على مشروع تربوي كامل دون الوفاء بأي من التزاماتها المالية.
وقالت المؤسسة، في بيان لها، ان المشروع تم إنجازه بالكامل استنادا إلى اتفاق مباشر مع المطران إميليو روخا، المسؤول عن الأبرشية، والذي شجع، بحسبها، على الاستثمار ووافق على كل مراحل التصميم والتنفيذ، مضيفة ان الحكم القضائي تجاهل الوقائع والمعطيات الموضوعية لصالح تأويل شكلي للنصوص القانونية.
وجاء في البيان ان المؤسسة، التي استثمرت أموالا طائلة لإنجاز مدرسة متكاملة لفائدة أبرشية طنجة، فوجئت بعد نهاية الأشغال وافتتاح المؤسسة، بتراجع الأبرشية عن التزامها وتسوية وضعية العقد، مشيرة إلى ان جميع المراسلات والوثائق الفنية والمخططات المعمارية تؤكد وجود اتفاق ملزم بين الطرفين، حتى وان لم يكن موثقا بصيغة رسمية كما اعتبرت المحكمة.
واعتبرت مجموعة مدارس الحمراء ان ما جرى يشكل محاولة احتيال موثقة وان النية كانت منذ البداية استغلال الشركة لتنفيذ المشروع دون دفع المقابل ، مضيفة ان هذا السلوك يضر بمصداقية المؤسسات الدينية ويقوض الثقة مع الفاعلين المحليين ، كما أعلنت مباشرتها لإجراءات الطعن أمام محكمة النقض ورفع شكاية رسمية لدى الجهات المختصة، لما وصفته بخروقات جسيمة وانحياز واضح شاب الحكم.
ولم تصدر أبرشية طنجة، إلى حدود الأربعاء، أي توضيح رسمي بشأن ما ورد في بيان المؤسسة التعليمية، كما لم تعلّق على خلفيات النزاع أو تطوراته القضائية. ويظل موقفها من هذه الاتهامات غير معروف، في وقت تشير فيه مصادر قريبة من الملف إلى وجود تباين في تفسير طبيعة العلاقة التعاقدية بين الطرفين، خاصة في ما يتعلق بالصيغة القانونية للاتفاق الذي لم يتم توثيقه لدى جهة رسمية.
ويعود أصل القضية إلى سنة 2022، حين شرعت مجموعة مدارس الحمراء في إنجاز مشروع تربوي لفائدة الأبرشية على قطعة أرضية تابعة لها بطنجة، وذلك بناء على اتفاق وصفته المؤسسة بأنه شامل وموثق بمراسلات ومخططات،
ويشمل البناء والتجهيز وإعداد المؤسسة للاستغلال. وبعد انتهاء الأشغال، وبدل تسوية الوضعية المالية كما تقول الشركة، بادرت الأبرشية إلى التراجع عن الاتفاق، وهو ما دفع المؤسسة إلى اللجوء إلى القضاء.
وأصدرت المحكمة التجارية بطنجة حكما يقضي ببطلان العقد لعدم استيفائه الشروط الشكلية المنصوص عليها قانونا، واعتبرته غير قابل للتنفيذ، كما أمرت بمنح تعويض للشركة قدره 60 ألف يورو، على أساس التكاليف المترتبة عن الأشغال.
ورغم ان الحكم تضمّن اعترافا ضمنيا بوجود التزام جزئي، إلا ان المؤسسة ترى ان المبلغ لا يعكس حجم الضرر ولا يُنصفها على ضوء استثماراتها ومدة الإنجاز التي تجاوزت عامين.
ويطرح هذا النزاع، الذي يتقاطع فيه الجانب التربوي بالاعتبارات القانونية والدينية، أسئلة حول تأطير العلاقات التعاقدية بين المؤسسات الدينية والفاعلين الاقتصاديين في المغرب، خاصة في ظل وجود ثغرات تنظيمية عند التعامل مع جهات غير خاضعة بشكل مباشر للمساءلة الإدارية أو الرقابة التقليدية.
ويرى متابعون ان هذه القضية قد تفتح النقاش حول ضرورة ضبط الإطار القانوني المنظم للاتفاقيات التي تبرمها جهات دينية مع شركاء تجاريين، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعقود طويلة الأمد أو استثمارات مادية معتبرة، في غياب توثيق رسمي أو سند قانوني واضح.
ورغم ان المحكمة اعتمدت، في حكمها، على مقتضيات شكلية تتعلق بغياب التوثيق، إلا ان الطرف المتضرر يعتبر ان الأصل هو النية التعاقدية والوقائع الثابتة، التي توضح ان المشروع لم يتم بمبادرة أحادية بل بموافقة ومتابعة كاملة من طرف الأبرشية.
وتؤكد المؤسسة التعليمية انها ستواصل، وفق ما جاء في البيان، الدفاع عن المشروع بكل الوسائل القانونية الممكنة، حفاظا على حقوقها ومصداقيتها، معتبرة ان ما تعرضت له لا يمس فقط بنشاطها، بل يبعث برسائل سلبية للفاعلين الاقتصاديين الذين يشتغلون في مجالات الشراكة المجتمعية والتربوية.
ولم يُعرف بعد ما اذا كانت المحكمة النقض ستنظر في الملف في الآجال القريبة، كما لم تتضح الخطوات التي قد تقدم عليها أبرشية طنجة للرد على ما تعتبره المؤسسة التعليمية محاولة استيلاء صريحة على مشروع تربوي خاص.