recent
آخر المواضيع

حوار اجتماعي بطعم الإقصاء

 

تواصل رئاسة الحكومة إعادة عجلة الحوار الاجتماعي من جديد، بعدما أصابها العطب منذ عيد العمال للسنة الماضية، حيث علقت الحكومة جميع الاتفاقات والأجندة المتفق عليها قصد استمرارية الحوار بشكل منتظم.

وقد اقتصر الحوار الاجتماعي الذي تنهجه الحكومة، على التشاور مع ثلاث مركزيات نقابية، كل من الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب، بينما تم إقصاء ثلاث نقابات بارزة هي الاتحاد الوطني للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل والمنظمة الديمقراطية للشغل.. فهل ستنجح الحكومة في إنجاح الحوار المركزي والاستجابة للمطالب في ظل استبعاد ممثلي عشرات الآلاف من الموظفين والعمال ؟

إعداد: خالد الغازي

إقصاء الاتحاد الوطني للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل والمنظمة الديمقراطية للشغل، وكذا اتحاد المقاولات الصغرى من الحوار الاجتماعي، يطرح التساؤل على رئاسة الحكومة بالخصوص، حول سبب إبعادها لنقابات حاضرة في البرلمان من الحوار والاقتصار فقط على ثلاث مركزيات لتحدد مصير مئات الآلاف من الموظفين والأجراء في القطاع الخاص، علما أن الفصل الثامن من الدستور ينص على أن المنظمات النقابية للأجراء والمنظمات المهنية للمشغل تساهم في الدفاع عن الحقوق والمصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها، وفي النهوض بهذه الحقوق والمصالح، وأن تأسيس هذه المنظمات وممارسة أنشطتها يتم بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون، وأن هياكلها وتسييرها يجب أن يكون مطابقا للمبادئ الديمقراطية .

وقد أكدت عدة تقارير عدم انفتاح الحكومة على باقي المكونات النقابية ولو على سبيل الاستشارة والاستطلاع، وخاصة الممثلة في مجلس المستشارين، والتي تمثل قطاعات عمومية مهمة، بالإضافة لنقابات أخرى لها حضور جماهيري خلال احتفالات عيد الشغل، فاتح ماي، إلى جانب عدم وضوح الاتفاق الموقع بين مكونات الحوار الاجتماعي فيما يتعلق بالارتقاء والتفعيل الأمثل للمؤسسات الحوارية المنصوص عليها في التشريعات الوطنية، باعتبارها آليات دائمة ومتكاملة للحوار الاجتماعي في مختلف مستوياته.

وحسب دراسة سابقة، فإن غالبية المغاربة، 93 في المائة، غير راضين عن دور النقابات المشاركة في الحوار الاجتماعي، لأنها تخلت عن مهامها في الدفاع عن مطالب الشغيلة، كما أن 86 في المائة من المغاربة مستاؤون من مخرجات الحوار الاجتماعي بشكل عام، لكون المخرجات المعلن عنها لا تستجيب لانتظاراتهم وتطلعاتهم فيما يتعلق بالرفع من الأجور، مشيرة إلى أن الانطباع السائد لدى المتقاعدين بأنهم الفئة الأكثر تضررا وأنهم غير معنيين بأغلب مخرجات الحوار الاجتماعي.

ويرى محللون أن الحكومة مطالبة بتوسيع دائرة الحوار الاجتماعي على بقية الهيئات النقابية وتمثيليات المتقاعدين، والالتزام ببنود الميثاق الوطني، لمأسسة الحوار الاجتماعي الذي يعد آلية لتأطير العلاقة بين الحكومة والنقابات، إلى جانب العمل والوفاء على احترام الجدولة الزمنية لتعديل مدونة الشغل وإخراج قانون الإضراب والنقابات إلى حيز الوجود من أجل الشفافية وتعزيز الديمقراطية الداخلية في الانتخابات النقابية.

في هذا السياق، يرى علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن الحوار الاجتماعي يتم وفق قاعدة أصبحت متجاوزة، باعتبار أن معايير النقابة الأكثر تمثيلية غير مضبوطة وغير مقننة في ظل الفراغ القانوني الذي تعرفه النقابات، رغم أن دستور 2011 أكد على ضرورة تنزيل قانون للنقابات في فصله الثامن، لكن الحكومة لا زالت تضع هذا الفصل في رفوفها بضغط من بعض النقابات التي تريد العيش في مستنقع نقابي ، بمعنى في الفراغ القانوني، مضيفا أن الأولوية لدى الحكومة يجب أن تكون ترتيب بنود الدستور وتطبيق الفصل الثامن الذي يشدد على ضرورة تنزيل قانون للنقابات على غرار قانون الأحزاب، لأجل تنظيم الحقل النقابي، وثانيا لمراقبة مالية النقابات التي تتسلمها من الحكومة، والدعم السنوي الذي تتوصل به، خاصة وأن المجلس الأعلى للحسابات لا يراقب مالية هذه النقابات إلا في حالة استثنائية تتعلق بإجراء انتخابات مناديب العمال.

وقال لطفي: الحوار الاجتماعي اليوم مع ثلاث نقابات على قاعدة أنها الأكثر تمثيلية ولها 6 في المائة، هذا أمر غير مبني على معايير موضوعية، لأنه جاء في ظل غياب قانون للنقابات، وفي ظل استمرار الاعتماد على مراسيم انتخابات تعود إلى عهد إدريس البصري، حيث أن الأمور كانت موجهة أكثر للدفع بنقابة وتقزيم أخرى، لهذا نطالب بتنزيل قانون النقابات بدل الحديث عن قانون الإضراب ، متسائلا: كيف يعقل إخراج قانون ممارسة حق الإضراب للنقابات وهي لا تتوفر على قانون ينظمها؟ هذا مثل من يضع العربة قبل الحصان، وأيضا لماذا هناك هيئة واحدة تتمثل في الباطرونا، في حين هناك المقاولات المتوسطة والصغرى التي اشتكت لرئيس الحكومة إقصاءها من الحوار الاجتماعي، لأن الاتحاد العام لمقاولات المغرب يمثل المقاولات الكبرى، ولا يمثل المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا.

واعتبر علي لطفي أن الحوار مع ثلاث مركزيات نقابية فقط يكشف غياب العدالة في التعاطي مع المركزيات النقابية، في ظل ما يدور عن مفاوضات بخصوص تمرير نظام جديد لإصلاح منظومة التقاعد، ونحن كنقابات لا نعرف ماذا يجري ولماذا تم استبعاد النقابات الأخرى من الحوار، وغدا سيتم تمرير قانون التقاعد كما وقع في حكومة عبد الإله بن كيران، حيث تم تمرير إصلاح منظومة التقاعد بشكل ظالم، مما أدى إلى تخفيض معاشات المتقاعدين بنسبة ما بين 18 إلى 30 في المائة، وهذه جريمة في حق موظفي الدولة والجماعات الترابية، وخاصة الأشخاص الذين توصلوا بمعاش هزيل بسبب هذا القانون ، مضيفا أن من يشاركون في الحوار اليوم يتحملون المسؤولية أمام الطبقة العاملة بخصوص محاولة تمرير قانون الحق في الإضراب، وقضية إصلاح نظام التقاعد بشكل عام.

وشدد نفس المتحدث على ضرورة الزيادة في الحد الأدنى للأجور ليصل لخمسة آلاف درهم، وزيادة ألفي درهم لموظفي الدولة والجماعات الترابية، وإعادة النظر في أجور القطاع الخاص لمواجهة ارتفاع المواد الغذائية والخدمات وأسعار المحروقات، ومراجعة التقاعد، وحذف التسقيف وجمع الصناديق الأربعة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وفق المساواة والعدالة في المعاش، لموظفي الدولة والرفع من معاش القطاع الخاص.

بدوره، انتقد محمد زويتن، الكاتب العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل، النهج الإقصائي الذي تنهجه الحكومة في الحوار الاجتماعي، باستبعاد نقابات وطنية منه، واختيارها التحاور مع ثلاث مركزيات فقط بتعليل التمثيلية بدون سند قانوني، وذلك بهدف التحكم في المشهد النقابي بعد تحكمها في البرلمان بغرفتيه والجماعات ومجالس الجهات والعمالات وغرف الصناعة والتجارة، حيث تشترط على النقابات الحصول على 6 في المائة في القطاعين العام والخاص لإشراكها في الحوار، بينما الحكومة السابقة تفتح الباب أمام أي نقابة مركزية للمشاركة في الحوار حصلت على نسبة 6 في المائة، سواء كانت في القطاع العام أو الخاص.

وأكد زويتن أن نقابته المركزية من بين النقابات الحاضرة في الميدان، وتحتل المركز الثالث في القطاع الخاص والخامس في العام، وتتوفر على نسبة تفوق 6 في المائة في القطاع الخاص، ولديها 2700 مندوب على الصعيد الوطني، وتمثيلية في مجلس المستشارين، وحاضرة في جميع القطاعات الحكومية، وحتى في المؤسسات العمومية، كما لديها تمثيلية المكتب الاستثماري الفلاحي، وفي قطاع الفوسفاط، ومكتب السكك الحديدية، وباقي القطاعات العمومية (العدل والتعليم والصحة والفلاحة والتعمير)، ورغم ذلك قررت الحكومة إقصاءها من الحوار المركزي.

وأضاف زويتن أن الإقصاء امتد إلى قطاعات حكومية مثل الفلاحة، حيث أن الوزارة ترفض التحاور مع ممثلي نقابته، وفي قطاع التعليم، بينما هناك حوار قطاعي في العدل، في حين أن وزارة الداخلية لا زالت لم تفتح باب الحوار مع النقابات القطاعية، معتبرا أن تغييب الحوار القطاعي يؤكد النهج الإقصائي للحكومة لممثلي نقابته في عدة قطاعات، وتريد فقط محاورة ثلاث نقابات مركزية ولم تستوعب الدرس مما وقع في التعليم، حيث أضعفت المركزيات النقابية وأصبح التوجه نحو خلق التنسيقيات، مما تسبب في الهدر المدرسي لمدة ثلاثة أشهر، وقال: هذا هو التوجه الذي تقوم به الحكومة، تنهجه معنا ونحن الآن دائما في خلاف معها على موضوع التأويل عندما تتكلم عن موضوع التمثيلية، فعوض أن تتحول إلى محاور وتفتح الباب أمام إشراك حقيقي في الحوار الاجتماعي، ارتأت إقصاءنا منذ تنصيبها، وهناك إقصاء آخر في المجلس الأعلى للتعليم عندما تجاوزت الحكومة نقابتنا واختارت مركزية نقابية أخرى حصلت على مقاعد أقل من مقاعدنا، ربما مواقفنا المناصرة لقضايا الشغيلة هي التي جعلت الحكومة تقصينا من الحوار الاجتماعي ، مشيرا إلى أن نقابته لا تعلم ما يدور في الحوار الاجتماعي في ظل الحديث عن قانون الإضراب والنقابات وإصلاح التقاعد لعدم توصلها بأي وثائق رسمية.

من جانبه، أوضح النقابي محمد النحيلي، الكاتب العام الوطني للمنظمة الديمقراطية للجماعات المحلية، أن الحكومة تتحكم في إدارة ومخرجات الحوار الاجتماعي، وخير دليل على ذلك، أنه كان هناك اتفاق على دورتين للاجتماع، ولكن الحكومة بشكل إرادي ألغت جولة شهر شتنبر، رغم أن عليها التزامات في السابق وقعتها مع الشركاء النقابيين، لكنها لم تحترمها، علما أن المطالب الحقيقية للموظفين والعمال تظل معلقة على اعتبار أن بعض الأصوات النقابية تغيب عن طاولة الحوار، وبالتالي، فإن العديد من المطالب النقابية لا تصل إلى الحكومة ولا تعالجها بسبب تغييب آراء عدد من الممثلين.

وتساءل النحيلي عن الجدوى من الحوار الاجتماعي في ظل وجود احتقان وتوتر في عدد من القطاعات لا يوجد فيها حوار قطاعي، إذ من المفروض أن تكون للحوار المركزي فروع، وهي الحوارات القطاعية، وتكون دورة أبريل لتأمين الخلاصات المرتبطة بالحوارات القطاعية، أي ما تم تنفيذه على المستوى القطاعي وما تمت إحالته على المستوى المركزي، مستغربا من وجود عدد من الممثلين النقابيين متقاعدين لا ينتمون لفئة النشطاء يشاركون في الحوار الاجتماعي لتحديد مصير الشغيلة، في حين هناك تغييبا لملف المتقاعدين، إلى جانب غياب ممثلين عن قطاع الجماعات الترابية الذي يعرف احتقانا كبيرا، وقطاع الصحة في الحوار المركزي.

واعتبر نفس المتحدث أن الحوار الاجتماعي محطة تهدف من خلالها الحكومة تطبيق الأجندة الدولية، والتي تفرض عليها تنظيم فاتح ماي وإبراز حصيلتها الاجتماعية في اليوم الأممي للطبقة العاملة، لكي تذهب إلى مؤتمر منظمة العمل الدولية في شهر يونيو لتقديم حصيلتها رفقة شركائها النقابيين المشاركين في الحوار، منتقدا المنهجية الحكومية في إدارة الحوار وغياب التعددية النقابية والاقتصار فقط على ثلاث نقابات، وإقصاء عشرات الآلاف من الموظفين، في ظل وجود طعون ودعاوى قضائية بسبب تجاوزات وتلاعبات في انتخابات المناديب.

فالإقصاء من الحوار الاجتماعي لم يقتصر على النقابات الثلاث (المنظمة الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل والفيدرالية الديمقراطية للشغل)، بل امتد إلى الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة والمتوسطة، التي استنكرت عدم إشراكها في الحوار الاجتماعي الجاري الآن بين الحكومة والنقابات والباطرونا.

وقالت كونفدرالية المقاولات الصغرى والمتوسطة، أن غيابها عن هذه المناقشات يضعف شرعية أي اتفاق سيتم التوصل إليه بدون مشاركتهم، حيث أن الباطرونا لا تمثل القطاع الخاص بأكمله في المغرب ، ولهذا نطالب الحكومة والنقابات بأن تتحمل مسؤولياتها، محذرة من الأوضاع الصعبة للمقاولات، رافضة أي زيادة مرتقبة في الحد الأدنى للأجور.

وسجلت ذات الكونفدرالية أن وتيرة الإفلاس المتزايدة في هذه المقاولات تتجاوز بكثير الأرقام المنشورة مؤخرا، والتي تشير إلى إفلاس أكثر من 14.000 مقاولة، ويتعلق الأمر فقط بالمقاولات ذات الطابع المعنوي و99 في المائة منها مقاولات صغيرة جدا.

وكشفت الكونفدرالية استبعادها من المجالس الإدارية لمختلف المؤسسات، مثل مجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، و مغرب المقاولات ، و تمويلكوم ، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والوكالة الوطنية لتشغيل الشباب، والوكالة المغربية للتنمية الاستثمارية، وتمويل الصناعة والمناطق الجهوية للتنمية، والمرصد المغربي للمقاولات الصغيرة جدا والمتوسطة، الذي أنشأه بنك المغرب والباطرونا.

google-playkhamsatmostaqltradent