recent
آخر المواضيع

شبح الإفلاس يخيم على صناديق التقاعد من جديد

 

لازال موضوع إصلاح صناديق التقاعد بالمغرب يطرح مشكلة معقدة بالنسبة للحكومة وللعديد من القطاعات، عجزت الحكومات السابقة عن تسويتها وحلها باستثناء بعض الترقيعات التي لم تخرج هذه الصناديق من العجز المالي الذي تعيشه منذ سنوات، والتي لازالت مستمرة حتى اليوم، مما يطرح الكثير من التساؤلات حول مستقبل نظام التقاعد في السنوات المقبلة.

إعداد: خالد الغازي

تعيد إشكالية العجز المالي الذي تعاني منه صناديق التقاعد بمختلف أشكالها، إلى الأذهان، قضية متابعة بعض الموظفين من الصندوق المغربي للتقاعد من قبل محكمة الاستئناف بالرباط منذ سنوات، يقومون بصرف معاشات سفراء وشخصيات سامية ومسؤولين كبار بعدما وافتهم المنية، ثم قضية تبديد 115 مليار درهم من أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي أشرف على تسييره العديد من المسؤولين، من أبرزهم منير الشرايبي، وعبد المغيث السليماني، ومحمد الحداوي، حيث تمت إدانة هذا الأخير بصفته مديرا سابقا، بالسجن أربع سنوات موقوفة التنفيذ مع مصادرة الممتلكات وإعادة 600 مليون درهم إلى الدولة، والحكم على متهمين آخرين بإرجاع مبالغ تقدر بـ 31 مليار درهم لفائدة الدولة.

ففي ظل الوضع المالي الذي تعيشه صناديق التقاعد، يتبين أن خطر الإفلاس يهدد مستقبل هذه الأنظمة، بسبب المقاربة الأحادية التي تتبعها الحكومة في إصلاح الصناديق من خلال الاعتماد على الموظفين والأجراء والعمال من أجل تعويض العجز المادي الذي يهدد مصير هذه الصناديق في السنوات المقبلة، لاسيما بعد الإنذار الذي وجهته رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، زينب العدوي، حول العجز المالي الذي تعرفه أنظمة التقاعد سنة 2022 (الصندوق المغربي للتقاعد 5.12 ملايير درهم، العجز التقني للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد ما يناهز 3.95 ملايير درهم، ثم عجز صندوق الضمان الاجتماعي بحوالي 400 مليون درهم).

وقد حذر تقرير المجلس الأعلى للحسابات من مؤشرات العجز المالي التي تشكل مخاطر كبرى على ضمان ديمومة المنظومة على المدى الطويل، وعلى توازن المالية العامة، مما يقتضي الإسراع في ورش الإصلاح الهيكلي لأنظمة التقاعد، لا سيما في أفق توسيع الانخراط سنة 2025.

وسجل التقرير السنوي العاشر لبنك المغرب والهيئة المغربية لسوق الرساميل، حول الاستقرار المالي، ارتفاع عجز صناديق التقاعد بالمغرب إلى 7.6 ملايير درهم مع نهاية سنة 2022، حيث أن هذا العجز نتج عن بلوغ قيمة المعاشات حوالي 64.9 مليار درهم مقابل مساهمات ناهزت 57.3 مليار درهم، مسجلا بدوره نقصا ماليا في الصندوق المغربي للتقاعد الخاص بالموظفين العموميين، الذي يترأسه، لطفي بوجندار، بحوالي 7 ملايير درهم، وفي الصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد للموظفين غير الرسميين في الدولة والجماعات الترابية وموظفي الهيئات العامة الخاضعة للرقابة المالية للدولة، بعجز 4.1 ملايير درهم، ثم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الخاص بالقطاع الخاص، حيث سجل 198 مليون درهم.

إن الإشكال الحقيقي الذي يهدد صناديق التقاعد يكمن حسب العديد من المحللين والخبراء في ضعف الحكامة وسوء التدبير من قبل الحكومة، وأيضا في ظل وصاية وزارة الاقتصاد والمالية على هذه الصناديق، والتي جاءت بمشروع للإصلاح ترفضه النقابات لكونه يستهدف فقط فئة الموظفين والأجراء ويعلق عليهم مسؤولية الإخفاقات الحكومية في تدبير أموال هذه الصناديق، التي تم استثمارها في قطاعات ومشاريع فاشلة، وتحويل أموالها إلى صندوق الإيداع والتدبير، أو استفادة الحكومة منها مقابل تفويت بعض المنشآت العمومية، مثل المستشفيات العامة.

ووفق ما نشرته بعض التقارير، فإن الاختلالات التي ترافق الصندوق المغربي للتقاعد تبين خرق القوانين المنظمة من خلال تمويل عجز نظام المعاشات العسكرية والأنظمة الغير مساهمة من فائض نظام المعاشات المدنية، وكذا وجود معاشات بدون سند قانوني، في غياب رصيد احتياطي للمعاشات العسكرية، إلى جانب تعدد المتدخلين في تدبير أنظمة التقاعد، وهيمنة وزارة المالية من خلال ترأسها للجن الحكامة بالمجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد، وغياب آليات اليقظة لتتبع التوقعات والمخاطر التي تهدد التوازنات المالية لنظام المعاشات المدنية، فضلا عن ثقل الكلفة المالية الناتجة عن تأخير إصلاح شمولي، وعدم إشراك ممثلي المنخرطين والشركاء في مشروع الإصلاح، وعدم استرجاع الديون التي في ذمة الحكومة والدولة.

في هذا السياق، اعتبر علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن منظومة التقاعد بالمغرب تعرف إشكالية معقدة وغير قابلة للإصلاح بالمقاربة المقياسية الترقيعية، فخلال السنوات الأخيرة ظلت جهود إصلاح معاشات التقاعد في المغرب محدودة النتائج لأجل ضمان ديمومة أنظمة التقاعد، المختلفة والمجزئة والغير متكافئة والغير عادلة، والتي لا تغطي إلا أقل من 45 في المائة من الفئة النشيطة المشتغلة، وحينما يصيبها العجز وشبح الإفلاس، تركز على إصلاحات مقياسية مبنية على دراسات اكتوارية وتقنية تنجزها مكاتب دراسات أجنبية بمعايير وقواعد مستنسخة، بعضها يعتمد المقاربات الأوروبية التي شاخت ساكنتها، رغم اختلاف المؤشرات والمعطيات الديمغرافية.

وأضاف نفس المتحدث، أن الحكومات تتخذ إجراءات وتدابير متسرعة للتخفيف من حدة العجز، من خلال الإصلاحات المقياسية ذات المفعول والأثر محدود المدة، ولتطيل مدة العجز لبضع سنوات فقط، وتعود من حيث بدأت وبنفس الإجراءات، في الرفع من سن التقاعد الفعلي للحصول على المعاش التقاعدي، والزيادة في المساهمات وقيمة الاشتراكات، وبالتالي، تخفيض أجرة المعاش، وهو ما ذهب إليه الإصلاح الشهير لحكومة عبد الإله بن كيران سنة 2016، عبر قانون تراجعي أجهز على أهم المكتسبات وألحق ضررا كبيرا بحقوقهم في تقاعد كريم، حيث انتقلت نسبة مساهمة الموظفين في ظرف وجيز من 10 إلى 14 في المائة، ورفع سن الإحالة على التقاعد إلى 63 سنة، مع احتساب متوسط أجرة ثماني سنوات الأخيرة كقاعدة لاحتساب أجرة المعاش بدل آخر أجرة، مع تخفيض المعامل من 2.5 في المائة إلى 2 في المائة، مما أدى إلى تخفيض معاش التقاعد بنسب تتراوح ما بين 18 في المائة و35 في المائة، مشيرا أيضا إلى ضعف المعاش بالنسبة لأصحاب القطاع الخاص وتسقيفه في 6000 درهم دون احترام الحد الأدنى المحدد قانونا في 1500 درهم، حيث أن أزيد من 25 في المائة لا يحصلون إلا على أقل من 1000 درهم.

وحسب علي لطفي، فإن صناديق التقاعد الأربعة توجد على مشارف العجز والإفلاس على المدى القريب والمتوسط 2025-2030، حسب التقارير الحكومية ومكاتبها الدراسية التي عودتنا على الوقوف على سبب مالي محاسباتي صرف دون البحث عن الأسباب الرئيسة الأخرى، وها هي حكومة أخنوش تعود اليوم من خلال تصريحات وزيرة الاقتصاد والمالية، نادية فتاح العلوي، في ندوة بالبرلمان، إلى إعادة نفس الأسطوانة لطبخ مشروع إصلاح جديد بمقياس استعجالي لإنقاذ المعاشات المدنية، وإقناع البرلمان والنقابات به، والعزف على أوتار التخويف بـ عدم قدرة صناديق التقاعد على أداء معاشات المتقاعدين والمتقاعدات وذوي حقوقهم في المستقبل القريب .

وقال الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أن الأزمة الحقيقية لصناديق التقاعد تتمثل في نظام معاشات مدنية وعسكرية مشتت وموزع على أربعة صناديق بمعاشات مختلفة غير عادلة، خاصة بين القطاع العام والخاص، واستنساخ تجارب الإصلاحات المقياسية من دول تعاني ضغوطا متزايدة بسبب ارتفاع معدلات الشيخوخة لديها، وتجد صعوبات في تعويض العمال الذين بلغوا 60 سنة، فاضطروا إلى رفع سن التقاعد إلى 65 سنة، معتبرا أن عجز صناديق التقاعد لا ينحصر بالضرورة في العامل الديمغرافي، بل أيضا في ما عرفته هذه الصناديق من اختلالات وحقائق صادمة كانت وراء إفلاسها، خاصة وأن ممارساتها ظلت غير شفافة واعتبرت كصناديق سوداء، ولإخراجها من هذه الأزمة، لا بد من الإسراع بتعميم الحماية الاجتماعية على جميع المغاربة وضمنها معاشات التقاعد، ثم العمل على اعتماد سياسات جيدة جدا في خطط التوظيف والتشغيل للشباب، مما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الاشتراكات في التأمين التقاعدي القانوني.

من جانبه، يقول الحسين اليماني، نقابي وعضو المجلس الإداري لصندوق الضمان الاجتماعي، أن التدبير الماضي الأسود لأموال صناديق التقاعد التي ضاعت، كان له أثر سلبي على وضعية الصناديق اليوم، وأن المشكل الأول يكمن في الحكامة والتدبير لهذه المؤسسات، مشددا على ضرورة توظيف الفائض بعقلانية وحكامة والحفاظ على المال لإعطائه كمعاشات للمتقاعدين، وإشراك ممثلي المشاركين في الصناديق في كل المساطر والمستلزمات، بهدف تدبير شفاف وعصري والقطع مع الماضي، ثم توسيع قاعدة المشتركين عبر إلزام الدولة وكل من يشغل أشخاصا، بأن يؤدي ما بذمته من واجبات الاشتراك ومسألة تدبيرها.

وأوضح اليماني، أن مشكلة تدبير أموال صناديق التقاعد مرتبطة بمقاربة الحكومة الأحادية في غياب المقاربة التشاركية، وكمثال على ذلك، توظيف الفائض المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، حيث يطالب الأعضاء منذ عشر سنوات، بمراجعة المسطرة والقانون الذي يجبر الصندوق الوطني للتقاعد على وضع أمواله لدى صندوق الإيداع والتدبير بعائدات ضعيفة مقارنة مع السوق المالية، لكن الحكومة لا تريد الاستجابة للمطلب الذي أقره المجلس الإداري، مما ضيع على الصندوق العديد من الأموال خلال السنوات الماضية، مضيفا أن الإصلاح كان موضوع نقاش لعدة مرات خلال الحوار الاجتماعي وفي عدة لقاءات، لكن لم يتم التوصل إلى الوصفة السحرية لحلحلة الأزمة، حيث أن كل ما نقوم به منذ زمن لا يخرج عن كونها إصلاحات ترقيعية، آخرها كانت في عهد حكومة بن كيران، التي عرفت إصلاحات ميكانيكية بسيطة، في ظل استمرار المشكل المرتبط أولا بالحكامة وبتدبير الصناديق، وكل صندوق كيف يتم تدبيره، بالإضافة إلى غياب تسيير ديمقراطي بشفافية في ظل إقصاء ممثلي الأجراء من التدبير والتتبع ووضع السياسات، ثم المسألة الثانية، تتعلق بقاعدة المشتركين، التي لها علاقة بالوضعية الاقتصادية للبلاد، ومرتبطة بظاهرة التهرب من التصريح بحقوق الأجراء فيما يتعلق بالتقاعد، والتي تعتبر من بين الحلول التي يمكن أن تنمي المداخيل لصناديق التقاعد.

وحسب اليماني، فإن الإصلاح اليوم يتطلب الجرأة والشجاعة اللازمة، خصوصا فيما يتعلق بالحكامة، مثلا في مجموعة من الصناديق التي فيها الدولة هي المشغل، فالدولة لم تكن تصرح وتساهم وتؤدي الاشتراكات في عدد من السنوات، إذن، كيف تريد أن تحصل توازنات في الصندوق واستدامته والدولة لا تعطي الاشتراكات؟ وإذا رجعنا للقطاع الخاص، كذلك هناك ما نسميه بالتهرب الاجتماعي، أي أن مجموعة من أرباب العمل يشغلون الناس ولا يصرحون بالمستخدمين، وفي الأخير نخرج بمعاشات هزيلة مثل 600 درهم و400 درهم، ونتحدث عن خطر يهدد توازنات صناديق التقاعد، مشيرا إلى أن الحلول التي تقوم بها الحكومة تبقى ترقيعية لا تعطي نتيجة إيجابية، لأن مجموعة من أموال المتقاعدين تصرف فيها صندوق الإيداع والتدبير وهُدرت في مشاريع لم تكن ناجحة، فبدون حكامة وتوسيع قاعدة المشتركين سوف تظل هذه الاختلالات مزمنة ومستمرة، دون نسيان شيخوخة المجتمع ووصول الكثير من الناس لسن التقاعد.

وكان مرصد العمل الحكومي قد انتقد التحليل المقدم من طرف الحكومة للمسببات الحقيقية للأزمة، ومن بينها الامتناع الطويل للدولة عن تأدية مستحقاتها لصناديق التقاعد، ما تسبب في عجز بنيوي في احتياطاتها وسرع في عجزها التقني، إلى جانب التجاوز غير المبرر لإشكالية الديون المستحقة لنظام المعاشات العسكرية، والمقدرة بحوالي 7 ملايير درهم لفائدة الصندوق المغربي للتقاعد.

وسجل المرصد عدم تضمين المقترحات المقدمة من طرف الحكومة لأي رؤية فيما يتعلق بتحسين مردودية الاستثمارات الخاصة باحتياطات صناديق التقاعد، وتحسين فعاليتها وتقييم أوجه اعتمادها وتوظيفها، محذرا من استنفاد احتياطات الصندوق المغربي للتقاعد بحلول سنة 2028، وذلك راجع بالأساس إلى حجم الدين الحالي المرتبط بالحقوق المكتسبة في الماضي، واستدامة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عام 2038، وأيضا التنصل من المسؤولية والتجاوز غير المبرر للتدبير الكارثي لصناديق التقاعد، والهدر الكبير الذي عرفته ماليتها واحتياطاتها رغم صدور عدة تقارير من قبل اللجن البرلمانية والمجلس الأعلى للحسابات.

google-playkhamsatmostaqltradent