recent
آخر المواضيع

الأقسام التحضيرية: نظام باختلالات عميقة

 

رأت النور في المغرب منذ سنة 1985 في مدن الرباط والدار البيضاء بغية ولوج المدارس العليا للمهندسين، وذلك من خلال انتقاء خيرة الطلبة الحاصلين على الباكالوريا في شعبة العلوم الرياضية.

هذا النظام الفرنسي الذي ظهر في أعقاب نهاية القرن التاسع عشر يستهدف الفئة الأكثر اجتهاد وبزوغا لكي تتلقى تعليما وتكوينا صلبا في مجموعة من العلوم الحقة من رياضيات وفيزياء وكيمياء بغية الاستعداد والتمهيد لولوج أحد أسلاك الهندسة في إحدى المدارس العليا بالمغرب. نظام الأقسام التحضيرية لم يقتصر فقط على ولوج مدارس المهندسين بل أسقط أيضا على مدارس التجارة والتدبير وتم إنشاء أقسام خاصة بهذا الغرض.

 من المفارقات العجيبة في هذا النظام أنه معتمد في فرنسا لا غير وبعض دول شمال إفريقيا من بينها المغرب. كما أنه يقوم على الاستعداد للمباريات لا غير ولا يقدم أي دبلوم في نهاية التكوين حيث يكون الطالب ملزما بالنجاح في المباراة الوطنية المشتركة في المغرب أو المشاركة والنجاح في مباريات المدارس الفرنسية، لكن في حالة فشله في النجاح تكون له الفرصة مرة أخرى في حالة إن لقي إجماع من طرف أساتذة المركز الذي كان يدرس به أن يعيد السنة الثانية، ومن ثم إعادة الاستعداد بشكل جيد للمباريات. لكن في حالة الفشل للمرة الثانية يكون الطالب آنذاك قد أضاع 3 سنوات من الدراسة والاجتهاد دون الحصول على أية شهادة تذكر. وبهذا يكون مجبرا لأن يبدأ مرة أخرى من نقطة الصفر في إحدى الكليات...

من هنا يمكن أن نتساءل حول مدى نجاعة وقيمة هذا التكوين وما القيمة المضافة التي من الممكن أن يضيفها إلى الطالب المهندس مستقبلا.

قبل أشهر تحدث أحد النواب البرلمانيين بلجنة التعليم الثقافة والاتصال عن إمكانية الاستغناء عن هذا النظام لما يعرفه من اختلالات بيداغوجية في ظل غياب جسور تربطه مع الكليات، حيث أن الطالب يكون ملزما بالولوج إلى هذه الأقسام من البكالوريا الرسمية من أجل الولوج إلى مدارس معينة لا يمكن ولوجها إلا عبر هذا الطريق، ولو أن بعض المقاعد تظل شاغرة لخريجي الكليات لكنها جد ضئيلة.

وبالتالي يحرم عدد كبير من الطلبة ممن لم يحالفهم الحظ في الباكالوريا من الولوج إلى التخصصات أو المدارس التي كانت في يوم من الأيام حلما لهم، كما أن هذه الأقسام حسب قول نفس النائب وهو رشيد القبيل العضو السابق في فريق العدالة والتنمية لا تراعي الطابع الإنساني للتكوين الأكاديمي لما تسببه من ضغط كثيف على الطلبة كان من الممكن أن يكونوا في غنى عنه لو تم إدماج هذه الأقسام مع الجامعات وأصبحت السنتان التحضيريتان لولوج سلك الهندسة مدمجة مع مدارس المهندسين أو تدرس في الجامعات لكن من خلال نظام جديد وفعال يكتسب من خلاله مهندس الغد مكتسبات ومعارف أهم بكثير من المعارف النظرية الصلبة والضخمة التي يتلقاها في الأقسام التحضيرية.

من الإشكالات التي تطرحها هذه الأقسام أيضا إشكال الأطر التي تتكلف بالتدريس هناك. وكما هو معمول به في فرنسا فإن التدريس مناط بالأساتذة المبرزين وهم أساتذة قد يكونوا حاصلين على شهادة الماستر في مادة التخصص ولقوا تكوينا أكاديميا صلبا هو الآخر في الأقسام التحضيرية لمباريات التبريز على أن يجتازوا في نهاية التكوين مباراة مشتركة مع نظرائهم في فرنسا من أجل الحصول على لقب أستاذ مبرز. الطريق نحو التبريز يكون مفتوحا أيضا في وجه حاملي شهادة الإجازة في مادة التخصص بالإضافة إلى 4 سنوات من التدريس في السلك الثانوي. لكن المشكل هنا أن بعد كل هذا الجهد والعناء لا يعد الأستاذ المبرز سوى أستاذا حاصلا على السلم 11 ولا يعترف به كأستاذ جامعي، وهذا في حد ذاته حيف في حق هذه الطبقة التي ذاقت ليالي من العذاب في سبيل الوصول إلى هذه المرتبة.

بعد كل هذه المعطيات يتضح أن نظام الأقسام التحضيرية بالمغرب يعاني بشكل كبير من اختلالات عميقة لا من ناحية أطر التدريس أو المناهج المعتمدة وأيضا القوانين المؤطرة، مما يجعل سؤال القطيعة مع هذا النظام اللاإنساني وتعويضه بنظام آخر أكثر إنصافا للطالب المهندس وللمدرس أمرا مطروحا.

بقلم الأستاذ: خالد س.


google-playkhamsatmostaqltradent