recent
آخر المواضيع

هل أصبحنا نراقب كل شيء إلا أبناءنا؟


 

يحكى أن بدويا اشترى مذياعا لكي يستطيع الاطلاع على أخبار العالم وما يجري من الأحداث، صعد يوما إلى سطح منزله محاولا ضبط ذبذبات مذياعه لسماع الأخبار، لكن من دون جدوى. قرر النزول من السطح ليجد بقرة له قد وضعت عجلا، لكنه توفي أثناء غيابه بسبب عدم الرعاية. رجع البدوي إلى مذياعه ورماه أرضا معبرا عن غضبه ومخاطبا إياه «أنتظر منك أخبار الخارج ولم تستطع أن تأتي بأخبار الداخل». إنه حالنا اليوم مع أخبار الخارج والداخل، فكيف ذلك؟

تغيرت الحياة الاجتماعية في زمن العولمة، زمن «المجتمعات الشبكية» بتعبير «مانويل كاستل»    (Manuel Castells)، زمن «الحياة السائلة»  حسب «زيجمنت باومن»(Zygmunt Bauman) وزمن «مجتمع الشفافية »الذي أضحى فيه الانسان كما الزجاج حسب المفكر الألماني، ذي الأصل الكوري الجنوبي،« بيونغ تشول هان»؛ كلها تعبيرات مجازية وصف بها هؤلاء المفكرون حال المجتمعات الحالية.

يحمل كل واحد منا هاتفا نقالا يطلع به على شتى الأخبار والأحداث التي تجري خارج منزله. يملك حسابا على شتى وسائل التواصل الاجتماعي؛ فتجده على«الفاسبوك »و«الأنستغرام »و«التيك توك» ...، كما يتصفح مجموعة من قنوات« اليوتيوب».  تسأله عن الجديد فيخبرك به، بل إن منهم من يملك قناة يبث من خلالها أخبار الداخل إلى الخارج مثل قنوات «روتني اليومي» أو من يتقاسم حياته الشخصية مع الآخرين من خلال «الستوريات» أو الرقصات عبر «تيك توك»...

تجد الواحد منا يركب كاميرات بمدخل المنزل أو العمارة بدواعي أمنية لكي يراقب ما يجري في الشارع. لكن، إن سألته عن برنامج ابنه أو مشاكله أو مستواه الدراسي فقد يجيبك «شكون لي عارف؟». ومن سيعرف أيه الأب أو ايتها الأم؟ من سيربي ويراقب هذا الأبن؟ ا ليست الأسرة هي المسؤولة الأولى عن التربية والمراقبة؟

سأل أحدهم حكيما عن مهنته في الحياة فأجاب «مهنتي في الحياة هي تربية ابنائي وفي وقت فراغي أذهب الى العمل» مبينا أن تربية الأبناء من أهم المسؤوليات الملقاة على عاتق الأب والأم. فكم من واحد يعتقد خطأ أنه بتوفير المأكل والمشرب والمسكن والغرفة الخاصة والحاسوب الخص والهاتف الخاص... أنه قد قام بالواجب وزيادة، وأن ذمته قد برأت من التربية.

يوفر الواحد منا لأبنه أو لأبنته هاتفا جوالا يجول به هو الآخر أقصى بقاع العالم دون علم ولي أمره، تتعرض الفتاة إلى شتى أنواع التحرش أو التنمر دون علم أحد من الأسرة، يتطور الأمر فتقع مصيبة، حينئذ يتساءل   «ما عرفت مالها كولشي موفر لها»، نعم «كولشي» متوفر إلا مراقبة الأب أو الأم «كولشي» متوفر إلا الجلوس مع الأبناء ومناقشة مشاكلهم التي يواجهون.

إذا كان الأب أو الأم لا يراقب أو يجالس ابنه أو ابنته، فليعلم أن هناك من سيجالسه أو يجالسها لأنه كما يقال «الطبيعة لا تحب الفراغ»؛ ففراغك سيملأه أحدهم لامحالة وحينها قد يكون قد فات الوقت و «وقعت الفأس في الرأس» كما يقال. فقبل أن تقع هذه الفأس في الرأس يجب علينا التحرك جهة أبنائنا؛ من هم أصدقائهم؟ كيف حالهم في المدرسة؟ في ماذا يستعملون هاتفهم؟  كيف هي حالتهم النفسية؟  هذا الجانب الذي يهمله الكثير من الآباء. إن المشاكل النفسية التي تصاحب الأطفال، خاصة في فترة المراهقة، من قلق وتوثر أو في حالات الامتحانات أو عند التعرض لمشكل كالتنمر أو التحرش، تجعل نفسيتهم مضطربة وقابلة للتعرض لهزات قد يصعب علاجها.

فلنقطع الاتصال شيئا ما مع الخارج ولنتواصل مع الداخل حتى لا يقع لنا ما وقع للبدوي الذي فقد عجله حينما كان منهمكا في معرفة أخبار الخارج.

google-playkhamsatmostaqltradent